203
2 - رسالة في المفاخرة بين مكّة والمدينة
هذا صورة خطّ الشيخ العلّامة، شيخ الإسلام، علم العلماء، لسان المتكلّمين، سيّد النظر، سراج الدِّين البُلْقِيني، أدام اللّٰه النفع بعلومه.
الحمدللّٰه، و سلامٌ على عباده الذين اصطفى.
وقفتُ على عرفات ذات العَلَمين، و أفضتُ منها؛ فاستشعرتُ بإفاضتها مشاعر الحَرَمين.
فقالت النَّفسُ التائِقة للتفضيل بالإجمال و التفصيل:
هل إلى المفاخرة بينهما من سبيل؟
فقلت لها:
أيّتها النَّفس المسكينة! الزمي الوقار و السكينة، أتدخلين بلا أدبٍ بين مكّة المشرّفة، و الطيّبة الأمينة، هذا مقامٌ يتأدّب عنده الاُدباء، و رِحابٌ متّسعٌ بمقال النجباء، الّذين عظمت عليهم المنّة باتّباع الكتاب و السنّة، في طرح ما لا يليق بالبطحاء و العقيق، لم أرَ مَنْ قرّ بين عَلَميه، و فاخَرَ من حرميه بالمنثُور و المنظوم، و أشار فيه إلى السرّ المكتوم بالمنطوق و المفهوم، سوى مَنْ برع في الآداب، و نَزَع إلى طريقة اُولي الألباب، و رَحَل فكان له في الحديث، و سُوقِ المعرفة بالأدب حُسنُ البضاعة، و قضى في ذلك دون جماعة الحرمين، و لا بِدَعَ أنْ يكون على أقصى الجماعة، فمروره بين العَلَمين ارتفع به عَلَمه، و مفاخرته بين الحَرمين انتصبَ على تمييز ذلك كلّه، فيما أبحر إليه جَزُم العِدىٰ، و لقد جَرى هذا الفارس بميدانٍ عظيم المدىٰ، و نحا نحو أبياتِ العربِ العاربة، فتفتن في عيون حدائقها، و قضى مآربه، فعلى أفعل التفضيل انعطف واحد في بيانه، نسقاً بما ائتلف و اختلف، فحَبّذا صنيعه، و نِعْم بيان مَنْ ذا بديعه، أغربَ و أعرب، فأرقص و أطرب، و لئن خبّر في المحاورة، و خبّر نحوه المحابرة، و أومأ إلى ما دَفَع عنه