196
كلّا واللّٰه، لا قائمة لكِ معي في بيت الفخار، و لا قاعدة و لا بارقة لكِ في سماء العُلاء و لا راعدة، فاقعدي في بيتِ حبائكِ، و قوّي و عزّزي مَنْ هو أكبر منكِ و أقوى، و إيّاك ثمّ إيّاك فلا تحتقري و لا تُنقِّبي عمّا يعود عليك ضرره، و لا تنفرِّي و أبصري مَنْ شأوكِ، و قصّري بعض خطوك، و قد دللتكِ طريق إخوان الصَّفا، و قد نصحتكِ فيما قلته و كفىٰ.
* فقامت المدينة عند ذلك على قدميها، و نظرت بعينٍ حَمراء إليها، و كشفتْ للحَرْب عن ساقيها، و أمسكتْ ملابس فخار ضَرَّتها مِنْ أطواقها، و قالت:
أنا ابنُ جَلّا و طلّاع الثنايا
متى أضعُ العِمامة تعرفني
تاللّٰه لقد وَضَح الصُّبح لذِي عينين، و لا يُطلَبُ أثرٌ بعد عين، ويحكِ ما هذا الافتخار مع الافتقار، والاستصغار لكُبرى المقدار؟ ! و إنْ كنتِ تقولين: إنّي أصغرُ منكِ سنّاً فافهمي المعني، فأشرفُ أعضاء الإنسان العين، و الإنسانُ أشرفَ الحدقة، و أنّ الذبابة لتدمي مقلة الأسد، و في الشَّرارة ضعفٌ و هي محرقة، كيف و مقداري كبير، و شرفي خطير، فاحذري فمتى لاقىٰ زهيرٌ شبابي تبرّم سنّكِ هرمه، و لم تبق لكِ بعد الهزيمة غير قرع سنّك.
ويكِ! أمّا يكفيك أ نّكِ لا تعِين و لا تسمَعِين، ثمّ توبّخين و تقرعِين، فلا بالمواعظ تتّعِظين، و لا مِنْ عَطّ 1المُلام تمتعطين، فإن كنتِ اُمَّ القُرىٰ فَمن صنعتي،
أنّي القرية الّتي تأكلُ القُرى، فجميعُ البلاد جوفي، و كلُّ الصِّيد في جوف الفراء.
أما تعلمين أنّ كلّ البلاد افتتحت بالسَّيف، و افتتحتُ بالقرآن؟ !
أو ما بلغكِ أنّ منّي ظهر الدِّين، وانتشر الإيمان؟ ! فهل امتزتِ بهذه المزيّة، أم حَصَلَتْ لكِ هذه الخصوصية؟ ! و عليَّ الحقيقة:
فأنا الذي فتَحتُكِ، و منعتُ عنك الضِّير، و بالخير منحتُكِ، فما عرفتِ لي هذا