195
فدعي المكابرة، و أنصفي عند البحث و المناظرة، و إيّاكِ أنْ تأتي هذه الخِطة؛ فتقعي معي في ورطة.
* فحين قَرَع سمعُ مكّة هذا الكلام، و قرّعت بما اُلقي إليها من المُلام، قامتْ و قعدَتْ، و أبرقتْ و أرعدتْ، و سَفَرتْ عن وجهها فضل نقابها، و كشفتْ ما كانت سَدَلتْ مِنْ حجابها، و دخلتْ إلى ميادين المفاخرة من بابها، و نطقتْ بملء فيها، و أظهرتِ السَّرائر الّتي كانت تُخفيها، و قالت:
واعجباً كيف جَسَرَتْ على الآساد في آجامها الأرانب.
*لقد ذَلّ مَنْ بالتْ عليه الثَّعالبُ*
و لقد زاحمتِ الحَملان القُرّح 1في المرعى، واستنت الفصال حتّى القرعى، يا
صفراء و يا بيضاء غُرّي غَيْري، ويحكِ تجوعُ الحُرَّة و لا تأكل بثدييها؛ فباللّٰه إلّاما نهنهتِ من كلامكِ، و تنبّهتِ من منامكِ، فما هلك امرءٌ عرف قدره، و لم يتعدّ طوره.
ألستُ اُمّ القرى؟ ! أليس أنّه أقام بي ثلاثاً و خمسين سنة سيّد الورى؟ ! و إنّما قام بكِ عَشْراً أو دون العشر، و إنْ لم يكن ذلك العشر فهو قريب من العشر، ألستُ أوّل بيت وُضِعَ للنّاس؟ ! أليس أنّ الخليل و الذبيحَ رفعا منّي البناء، و وضعا الأساس؟ ! و هاتِ خبريني أفي كلّ يوم و ليلةٍ ينزلُ عليك مائة و عشرون رحمة، أم في كلّ ساعةٍ تتوارد عليكِ نعمة إثر نعمة؟ أم فيكِ الأماكن التي الدّعاء فيها متحقّقُ الإجابة؟ أم بكِ مثل ذلك الحرم الرَّحبِ الَّذي حفّته السَّعادة، و ملأت البركة رحابه؟ أم لك كالميزاب الذي تصبُّ النِّعمة منه صبّاً، و يغدو المشتاق إليه مُغرماً و يروح صبّا؟ ! أفي أوديتكِ كوادي إبراهيم الّذي يجري بالخير العميم، و يأتي بالبرّ الجسيم؟ ! ألك كالأبطح و البطحاء؟ أم في سائمة أنعام جبالك كثور و حرّاء؟ أم في ثنايا ثغورك ككُدي و كُداء؟