34الجميع يقومون بالواجب في نفس الوقت تقريباً، كُتَلٌ متلاصقة من البشر تواصل الطواف، في غمرة هذا الزحام يهل علينا أذان الفجر، وكان علينا التوقف والاصطفاف استعداداً للصلاة، لم أتصوّر أن أجد فجوة وسط هذا الزحام، الشيء الذي لم أجد له تفسيراً حتى الآن، كيف أنّنا استطعنا أن نصطف، وأن نجد أيضاً مكاناً للركوع والسّجود، حتىٰ إذا انقضت الصلاة أطبق الزحام من جديد، نفس الأمر حدث أثناء السعي حين أُذّن لصلاة العيد، هناك مكان دائم للصلاة مهما ضاقت المساحة.
موعدنا الآن في وادي منىٰ، أيام التشريق ورمي الجمرات، بشكل أو بآخر فإن كلّ واحد منّا كان يرجم الشيطان الرابض في أعماقه، وما مظاهر الغيظ والحنق التي تنتاب الجميع حين يبدأون القذف بالأحجار والأحذية والنعال إلا نوع من تصفية الحساب مع النفس، وهذه أسهل مناسك الحجّ وأكثرها خطراً، ففيها يتمّ التدافع في وقت محدّد بعد طلوع الشمس حتىٰ غروبها وتصيب الأحجار الرؤوس إذا حادت عن هدفها، وقد حاولت الفتاوى الدينية التخفيف على الحجيج، ولكن الخطر مازال ماثلاً و أعداد الحجيج في ازدياد.
هل يغيّرنا الحجّ؟
هل يخفّف من نفوسنا ذلك الإحساس العميق بالذنب؟
هل يمنحنا القدرة علىٰ فتح صفحة بيضاء وسط حياة متشابكة مليئة بكلمات وجمل لا معنىٰ لها؟
عندما كنت أهبط الدرج الطويل المؤدّي إلىٰ مكان المناسك، استوقفتني امرأة عجوز قدّمت لي كيساً صغيراً فيه سبعة من الحصىٰ وهتفت بي: «ارم من أجلي يا بني» ، ثم أخذت تجهش بالبكاء، كانت لا تستطيع مقاومة أمواج الزحام الجارفة، ولديها إحساس عميق أن حجّتها لن تكتمل مادامت لم ترم هذه الجمرات.
لم نذبح الهدي بأيدينا كما فعل