35الرّسول صلى الله عليه و آله ولكنّنا خضعنا جميعاً للنظام الميسّر الذي وضعته السلطات السعوديّة، يكفي أن ندفع مبلغاً من المال يساوي قيمة الأضحية حتىٰ تتولّىٰ إحدى الشركات المتخصّصة شراء الأضحية، وتقوم بذبحها وتنظيفها، ثم تقوم بإرسالها مبردة إلىٰ كلّ فقراء العالم من المسلمين.
ليس هناك أكثر شجناً من لحظة الوداع، ومثلما بدأ الحجّ بالطواف حول بيتاللّٰه لا بدّ أن نختمه بالطواف، كذلك فعل رسول اللّٰه في حجّته الأولىٰ والأخيرة، ولكنّمشاعرالنفس موزعةفيالرغبة في البقاء وفي التشوّق لزيارة أخرىٰ، بقي أن نكمل الرحلة بزيارة مدينة الرّسول صلى الله عليه و آله التي آوته ونصرته، ولعلّ الزيارة تحمل بعثاً متجدّداً لهذه النصرة بعد أن استطالت غربتنا على الأرض، الصلاة في مسجد الرّسول متعة حقيقية، ويبقى الصراع الحقيقي في محاولة الاقتراب من المساحة الخضراء التي تصل بين قبر الرّسول والمنبر الذي وقف عليه، إنّه قطعة من رياض الجنّة يسعى الجميع للصلاة فيها.
ولكن تبقىٰ في القلب حرقة من الأسئلة:
هل يغيّرنا الحجّ؟
هل يخفّف من نفوسنا ذلك الإحساس العميق بالذنب؟
هل يمنحنا القدرة علىٰ فتح صفحة بيضاء وسط حياة متشابكة مليئة بكلمات وجمل لا معنىٰ لها؟
أسئلة كثيرة كانت تتدافع في صدري وأنا أعود بالطائرة في نهاية تلك التجربة الروحية العميقة، كنت قد عشت لحظات فريدة، انتظم فيها الكون وفق إيقاع واحد، صلاة وقياماً، تضرّعاً وتهجداً وبكاء، ولعلّ هذا كان مغزى اجتماعنا في هذا الوادي الضيّق، أن نشعر أنّنا جزء ضئيل من كون اللّٰه الواسع، وأنّنا نتحرّك في نفس مسارات الأفلاك، نسطع ذات لحظة مضيئة عندما نرتدي ملابس الإحرام، ثم نهوي بعد ذلك في ظلمات القبور آملين أن تكون هذه اللحظة النادرة من الإشراق قد غسلت كلّ ما نحمله من ذنوب.