33اليوم، فليكن البهاء كاملاً، فلا أحد يدري متىٰ تكتمل دورة الزمن، ولا متىٰ ترتقي الروح إلىٰ بارئها، يصطبغ الأفق بحمرة الغروب وتحين لحظة الرحيل، ويظلّ الجمع واقفاً، وترتفع إلى السماء ملايين من الأذرع المتوسلة، إذا لم يكن هذا يوم عتقنا ياربّ السموات فمتىٰ نعتق؟
يبدأ الانحدار نحو المزدلفة، الطرق كلّها تأخذ اتجاهاً واحداً، السيارات تزحف، وآلاف البشر بجانبها يسعون علىٰ أقدامهم، موكب ممتدّ في سكون الظلمة تحت الجبال وفوق الحصىٰ، الكلّ صامت تماماً ووصية الرّسول صلى الله عليه و آله تتردّد في كلّ الآذان: «السكينة، السكينة» ، أي زحف صامت مهيب، وأي سكينة تصيب النفس وقد شهدنا حدثاً يقارب يوم الدينونة كوقفة عرفة؟
تظهر أضواء المزدلفة، واد صغير وسط الجبال الشامخة، يبدو مضيئاً وفوقه قمر علىٰ وشك الاكتمال، تقيم الجموع صلاتي المغرب والعشاء، ونبدأ جميعاً في البحث عن الحصى اللازم لرمي الجمرات، آلاف من الأيدي تلتقط الحصىٰ، ومن الغريب أنّه لم ينفذ من هذه الأحقاب، ثم لم يعد أمامنا إلّااستعادة السكون في انتظار انبلاج الفجر، لحظات صامتة لمراجعة النفس، فالغفران يبدأ من الداخل، تغفر فيغفر لك، وتتواصل الدورة.
نستعد للرحيل من جديد، التوقيت هنا مختلف بعض الشيء، البعض يرحل مباشرة بعد منتصف الليل، والبعض الآخر يفضل البقاء، وفي كلّ الأحوال فإن الأعداد التي تتحرّك تكون غفيرة، ننتقل إلىٰ «منىٰ» محملين بالجمرات السبع، نهبط سريعاً وسط أمواج البشر لنرجم الشيطان، لقد أصبحنا الآن في نهاية الشعائر ولم يبق أمامنا إلّاأن نقصر شعورنا، أو نزيلها.
تبدأ أيام التشريق، إنّها الواجبات التي علينا أن نؤدّيها وإلّا بطل الحجّ، أو علينا أن نستعيض عنها بدم، نتوجّه للبيت العتيق للقيام بطواف الإفاضة، الزحام كثيف،