27
البيت تشريفاً وتعظيماً وتكريماً ومهابة» ، وليس أفضل من الدعاء للتعبير عمّا تتوق إليه النفس، تتردّد حولي عشرات الأدعية بلهجات مختلفة، وهي من أروع الأصوات التي يمكن أن تطرق الأذن، الكلمات عربية وإن نطقت بها ألسنة غير عربية، الكثيرون منهم يمسكون بكتيبات أدعية الحجّ الصغيرة، مكتوبة بلغات الأرض المختلفة، ولكنّها تحاول أن تشكل نفسها لتقترب من اللغة الأصلية للأدعية، ومن المؤكّد أنّ اللّٰه يقبل الدعاء من أي لغة وبأيّ لهجة، ولكنّهم هنا يحاولون العودة إلىٰ منابع الإيمان بنفس لغتها الأصلية: ربّنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، نطوف بالبيت كما فعل الرّسول الكريم، ولكنّه كان قد طاف الأشواط الثلاثة رملاً، أي بسرعة، وأكمل بقيّة الأشواط الأربعة مشياً، ولكن أنى لنا ذلك وسط هذا الزحام.
كلّ واحد منّا يطوف بطريقته، البعض يحاول الاقتراب لأقصىٰ ما يستطيع حتىٰ يتعلّق بالجدران قبل أن تدفعه أيدي الحرّاس بعيداً، والبعض يركب فوق محفة يحملها رجال سود أشداء من الخطر الاقتراب من طريقهم، والبعض يفضّل التوكؤ علىٰ عصاه، ويسعىٰ بخطوه البطيء الضيق، حتى الذين فوق مقعد متحرّك يفسح الزحام لهم مكاناً، ويبدو أن مسلمي جنوب آسيا يتلقون تدريبات خاصّة على الطواف في شكل قطارات بشريّة لا تنفصم، لا أحد يستطيع اختراقهم أو الوقوف في طريقهم، الأفارقة يضربون، والأتراك يزمجرون، والباكستانيون يلقون بنسائهم في المعمعة ثم يستميتون في حمايتهن، وأهل الصين لا يكفون عن الانحناء، والمسلمون الجدد القادمون من وسط آسيا مازالوا مبهورين، يحاولون تأدية الخطوات الصحيحة، جامعة بشرية هائلة، يطوفون حول البيت الوحيد في العالم الذي يجمعهم، سقطت العديد من الأفكار، وانفرطت القوميات، وفشلت كلّ الروابط التي حاولت أن