22والزعفران، حتىٰ يتكفّن بها حين تأتي ساعة الرحيل.
ولكن الإحرام يتعدّىٰ أيضاً ما ترمز إليه بساطة الثياب،
فهو رداء قد اقترن بالمعنىٰ، ودلّ على النيّة والقصد، والحجّ هو القصد كما عرفه علماء اللغة، قصد الرحيل إلىٰ هذا الوادي الضيق بين جبال الوادي، حيث يتوقّف الزمن في كلّ عام ليستعيد من أعماقه ذكرىٰ تلك الطقوس القديمة، ويدور الحجيج دورتهم الخاصّة وسط أفلاك الكون.
ها آنا ذا أقف، نقطة بيضاء ضئيلة وسط ملايين النقاط الساعية، أمام جبال مكّة وصخورها، تعلو أصواتنا جميعاً بأدعية التلبية التي لم تتغير من ألف وأكثر من أربعمائة عام «لبيك اللهم لبيك، إنّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك» ، تجيش الكلمات بالنفس وتترك آثارها فوق الروح، أهو الإحساس العميق بالذنب، أم أنّه البحث عن غفران يكون بلسماً لكلّ الخطايا؟ أتذكّر
يكفي أن تترك جسدك وسط الزحام بينما تطلق العنان لآفاق الروح، والدعاء والتضرّع هما الوسيلة لذلك
قول الرسول صلى الله عليه و آله في حديثه: «ما من مُحْرِمٍ يضحى يومه يلبي حتىٰ تغيب الشمس إلّاغابت ذنوبه فعاد كما ولدته أمّه» .
تتوالىٰ أمام عيني شواهد علىٰ وقائع التاريخ المقدّس الذي كان هذا المكان مسرحاً له، في تلك اللحظات النادرة من الزمن تجسد صراع الإرادة بين بشر يحملون أهواءهم الأرضيّة، وبشر يبشّرون بكلمة اللّٰه، واللّٰه غالب علىٰ أمره، تحيط بنا وُعُوْرَة الطريق التي لم تتغير منذ ذلك الأبد، حتىٰ أنّ هذا الإسفلت يبدو غريباً ودخيلاً علىٰ إيقاع المكان، كيف تحمّل سيدنا رسول اللّٰه هذه المسيرة وسط هذه الطبيعة الوعرة