21الحجّ اطلاق العنان لآفاق الروح
الحجّ إطلاق العنان لآفاق الروح
د. محمد قنديل
تبدأ الرحلة دوماً في اللحظة التي نرتدي فيها ثياب الإحرام، أياً كان الميقات، إنّها التهيئة الأفضل التي نخلع فيها الأقنعة القديمة بكلّ ما فيها من سعي كاذب ومخاتلة خادعة، قطعتين من الملاحف البيضاء، تستران الجسد دون أن يضمهما خيط واحد، فقط حزام جلدي نحمل فيه الحاجات الضرورية، تستران الجسد بالكاد، بل وتوشكان في كلّ لحظة أن تتركاه عارياً علىٰ حقيقته، كأن هذه الخرق البيضاء لا تريد أن تدع للنفس أي مجال للمباهاة أو التكبّر، يكتسب اللون الأبيض جزءاً من قدسية المكان، ويصبح عنواناً على المساواة والتوحد بين الجميع مهما تباينت الألسنة واختلفت ألوان الجلود، وهي تشبه الأكفان، كأنّها تعدّنا للرحلة الأخيرة التي لا مفرّ منها، أو تبشرنا بيوم البعث العظيم عندما نستيقظ حاملين بقايا أكفاننا، متحلّلين من ذنوبنا، ساعين نحو غفرانٍ عسير المنال، هكذا فعل جدي، مثلما فعل البقية من ملايين المسلمين الفقراء في مشارق الأرض ومغاربها، حين احتفظ بهذه الملاحف بعد عودته من الحجّ لسنين طويلة، أبقاها نظيفة ومعطرة بالشيح