43أمّا السيّد الطباطبائي في ميزانه، فيذهب إلى أنّ هذه الإفاضة هي الإفاضة من عرفات فيقول: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ظاهره إيجاب الإفاضة على ما كان من دأب الناس وإلحاق المخاطبين في هذا الشأن بهم فينطبق على ما نقل أنّ قريشاً وحلفاءها وهم الحمس كانوا لا يقفون بعرفات بل بالمزدلفة، وكانوا يقولون: نحن أهل حرم اللّٰه لا نفارق الحرم، فأمرهم اللّٰه سبحانه بالإفاضة من حيث أفاض الناس، وهو عرفات.
وعلى هذا، فذكر هذا الحكم بعد قوله: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ بثمّ الدالّة على التأخير، اعتبار للترتيب الذكري، والكلام بمنزلة الاستدراك، والمعنى أنّ أحكام الحجّ هي التي ذكرت غير أنّه يجب عليكم في الإفاضة أن تفيضوا من عرفات لا من المزدلفة، وربما قيل: إنّ في الآيتين تقديماً وتأخيراً في التأليف والترتيب: ثمّ أفيضوا من حيث أفاض الناس، فإذا أفضتم من عرفات 1.
- وفريق ثان يقول: إنّ الأمر المذكور في الآية هو أمر عامّ لجميع الناس، بأن يفيضوا من المكان الذي أفاض منه الناس وهو عرفات.
إشكال
وقبل التحدّث عن القول الثاني للمراد من الآية، نذكر الإشكال على القول الأوّل، وهو إنّ قوله تعالىٰ: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ ، يقتضي ظاهره أنّ هذه الإفاضة غير ما دلّ عليه قوله: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ لمكان (ثمّ) ، فإنّها توجب الترتيب، ولو كان المراد من هذه الآية: الإفاضة من عرفات، مع أنّه معطوف على قوله: فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ كان هذا عطفاً للشيء على نفسه، وأنّه غير جائز، ولأنّه يصير تقدير الآية: فإذا أفضتم من عرفات، ثمّ أفيضوا من