217الحجوي تتنوّع بين الفتاوى الغزيرة المتّصلة بالحياة المعاصرة وقبول التقنيات المعاصرة وكذا التجارة وأسبابها، وبين التقايد التاريخية التي هي أشبه بالمذكّرات والشهادات الحاسمة بالنظر إلى المناصب الرسمية التي كان الحجوي يشغلها، وللمراحل التاريخية الحرجة في تاريخ المغرب المعاصر والتي كان شاهداً عليها حيناً، وطرفاً فاعلاً أحياناً اُخرىٰ.
شغل الحجوي وظائف هامّة في سلك الدولة المغربية، كانت وزارة المعارف من بينها، وإن لم تكن أخطرها، وكان عضواً في مفاوضات دقيقة وفي لجان تتّصل بقضايا التعليم والعدلية. كان هذا كلّه، بطبيعة الأمر، في سلك الحكومة المخزنية، تلك التي كانت بدورها ترزح تحت وطأة «الحماية الفرنسية» ، وهذا الوضع جعل الرجل في أحوال من الصلة والتنقّل بين «المخزن» وبين إدارة الحماية الفرنسية.
ولعلّ أقلّ ما يوصف به وضع الفقيه الموظّف المخزني السامي أنّه كان على بيّنة من أحوال الدولة والإدارة في المغرب، وإذ كان الأمر كذلك، بالضرورة، فإنّ نظراته في الإصلاح والتغيير كانت محكمة بثقل الظروف والإطّلاع على حقيقة ما تستطيعه الدولة وما كانت في الواقع عاجزة عنه، وإذن، فقد كان للموقع في مراكز المسؤولية والإدارة العليا أثرهما القوي في نظرات الرجل الاصلاحية، وفي مواقفه المختلفة.
بُعد آخر ثالث، هام وحاسم، كان له فعله في تكييف آراء مؤلّف «الفكر السامي» من الاقتصاد والتعليم، والمرأة، بل وفي توجيه الاجتهاد في الدين والتصدّي لعمل الفتيا، انتساب محمّد الحجوي إلى فئة التجّار الكبار، مساعداً لأبيه في التجارة بين مرسيليا ومانشستر وطنجة وفاس، وفي ممارسته لها ممارسة فعلية أكسبت خطبه في «مستقبل التجارة في المغرب» ، «بالاقتصاد حياة البلاد» ، «تعلّم اللّغات الأجنبية» وغيرها. . . أكسبتها مضامين لا تتوافر لمطلق الفقهاء، ولمن اندرج في سلك الوظائف العليا في الدولة.