215عليه. أسى وشجى يلحظهما قارئ رفاعة الطهطاوي، وكلّ اللّاحقين له في شرق العالم العربي وغربه (والإشارة تقدّمت إلى البعض منهم أيضاً) ، لا بل إن خلف الأسى والشجى - ولربما - رفيقاً محايثاً له عقل ينظر محللاً ومقارناً، وذهن متوقّد يتساءل عن أسباب تأخّر بني قومه وأسباب تقدّم غيرهم من الغرب الأوروبي القويّ والمستعمر. نعم، عند قراءتنا لنصوص رحّالينا العرب المعاصرين، منذ منتصف القرن التاسع عشر، نجد مع ما ندعوه «التعاقد الضمني» بين صاحب الرحلة وبين قارئه، تعاقداً أو عقداً غير صريح، يلتزم الكاتب بموجبه الحديث عن «العجيب والغريب» ، وتمكين القارئ من أقصى قدر ممكن من «الإمتاع والمؤانسة» فيما هو يتابع صاحب الرحلة في بسط أطوار رحلته: مشقّة وتعباً، متعة وفرحاً، حنيناً إلى الأصل والبلد والولد، وتنعّماً باكتشاف الجديد المثير اللذيذ. .
ولكن خلف «التعاقد» هذا، وبمعيّته، بنود جديدة تنضاف إلى البنود المتقدّمة «المعتادة» : إنّها بنود تتّصل بالحفر والاجتهاد في تبيّن أسباب القوّة والغلبة عند «الغير» ( \ أوروبا) في مقابل مظاهر الضعف والتأخّر في «الذات» ( \ العالم العربي الإسلامي) . فهذه الأسباب كلّها كان الرحّالون العرب المعاصرون (مسلمون وغير مسلمين) روّاداً في فكر «النهضة» أو «اليقظة» أو غيرهما من النعوت والأوصاف التي يتحدّث بها مؤرّخو الفكر العربي الإسلامي عن واقع «الانحطاط» و «التأخّر» و «الضعف» في أرض الإسلام في مقابل «التقدّم» و «التأخّر» و «القوّة» في أرض غيره، والحال أنّ في الإسلام ما يحمل على كلّ النعوت الإيجابية الأخيرة، ويبعد عن الأوصاف الأولى المتقدّمة.
كلّ هذه الاُمور، جعلت مؤلّف الرحلة العربية الإسلامية رجلاً صاحب قضية، يعلو حديثه عن حديث «الإمتاع والمؤانسة» ، وجعلت المفكّر العربي الإسلامي (وقد كان في الأغلب الأعمّ فقيهاً في الدِّين عالماً بالشريعة وما