214جنس أدبي مثلما أنّ له صداه القوي أو الضعيف، في بنية الخطاب الرحلي عموماً. .
غير أنّ هنالك، مع ذلك، سمات تكسب أدب الرحلة في التراث العربي الإسلامي المعاصر نفحة أو تلوينات خصوصية، بل نوعية، لا نجدها في أدب الرحلات عند المعاصرين في دول الغرب الأوروبي، أو في البلاد الاُخرى، ممّا أمكننا الوقوف عليه، على كلّ حال، في بعض نصوص الرحّالين من دول أوروبا الوسطى، وبعض مناطق من الشرق الأقصى. هذه السمات هي ما نستسمح قارءنا الكريم بالتعريج عليها في فقرة قصيرة مفردة.
لا غرو أنّ في أحاديث الرحّالين العرب المعاصرين (المسلمين وغير المسلمين على السواء) شجى وأسى لا يتحرّج أصحاب الرحلات من إظهاره، ولا يرون أنّه ممّا يجب إخفاؤه وتغييبه، لا بل إنّهم يجتهدون في تسليط الأضواء عليه، ودعوة القارئ، بإلحاح شديد، إلى مشاركة الرحّالة في الأسى والشجى. أسى وشجى يتجاوز الذات ويعدوها إلى الحضارة التي يكون انتساب صاحب الرحلة إليها، والأمّة التي لا يملك الرحّالة من الانتماء إليها. . شجى وأسى مصدره معاينة الفارق البيّن بين ما عليه أوروبا من التقدّم الهائل في ميادين العلم والمعرفة والمعمار والنظم الاجتماعية والسياسية، وفي تنظيمات الجيش والإدارة، والقضاء. . . وبين واقع التخلّف عن تلك الاُمور كلّها عند بني جلدته من العرب في دار الإسلام. أسى وشجى يزكّيهما اكتشاف تأخّر آخر مؤلم، هو التخلّف عمّا كان عليه حال الإسلام وأصله في العصور الزاهية للحضارة العربية الإسلامية. .
وإلى هذا كلّه، ينضاف سبب قويّ، يكفي وحده لإثارة الحزن والألم في النفوس، وهو أنّ هذا «الغرب الأوروبي» الذي يأتي اكتشافه بعد عقود، بل وربما قرون، من الركود والانحطاط، هو غرب غازٍ متسلّط، والأرض العربية الإسلامية أُفق لاستعماره ومجال لمكائد ودسائس القوى التي تتربّص به عشية الانقضاض