213الملامح الكبرى الجليّة التي تميّز في أدب الرحلة العربية الإسلامية بين العصور وبين الأمكنة، نوجز فنقول في جمل قليلة قصيرة: إنّ الرحلة في التراث العربي الإسلامي تشترك مع أدب الرحلة عموماً (من حيث إنّه جنس أدبي له خصائص ذاتية، ومن حيث إنّه خطاب له منطقه الذاتي وقوانينه التي تتّصل بذلك المنطق) ، وهذا ما يبرّر - على سبيل المثال - الدراسات المقارنة العديدة في الغرب الأوروبي بين رحلة ابن بطوطة ورحلات غيره من الرحّالين الأوروبيين إلى الحجاز، والمشرق العربي، ومصر، ودول المغرب العربي، وإلى دول الشرق الأقصى وغيرها، فالمقارنة ممكنة - من جهة بنية الخطاب الرحلي ( \ نسبة إلى الرحلة) - بين هذه النصوص جميعاً، وهنالك ثوابت تظلّ موجودة مع تعدّد لغات الحديث واختلاف الأزمنة والأمكنة، والرحلة، في التراث العربي الإسلامي، لها مظاهر تنفرد عنها، فلا نكاد نجد لها نظائر من غيرها من رحلات الاُمم والشعوب خارج دار الإسلام بالنظر إلى الوظائف المتعدّدة التي تقوم بها (السياحة، طلب العلم، الحجّ باعتباره فريضة ومناسك لا مجرّد زيارة لأماكن مقدّسة وآثار تأريخية) ، هذا من جهة.
ثمّ نحن نجد تشريعاً للسفر وآدابه، ولأحكام ممارسة الشعائر الدينيّة فيه (استدعاء الرخص، القصر في الصلوات، تحلية الإفطار للصائم بل استحسانه. . . الخ) لا نحسب أنّ له مثيلاً في أحكام وتشريعات الديانات الاُخرى.
والرحلة في التراث العربي الإسلامي، فضلاً عن تنوّعها أنواعاً كثيرة، على نحو ما ألمحنا إليه في بداية الحديث، تتباين بالنظر إلى تعدّد العصور واختلاف الأزمنة.
نعم، إنّ الانتساب إلى العصور القديمة، أو الانتماء إلى العصور الوسطى، أو الصدور عن الأزمنة الحديثة والمعاصرة، له فعله في بني البشر جميعهم، فلا شكّ في ذلك، وللأمر انعكاساته، المباشرة أو غير المباشرة، على أدب الرحلة من حيث إنّها