176للسعي بين الصفا والمروة، وهو يؤدي هذا النسك، قائلاً: «إن ذوبان الفرد في الجماعة، أتراه أقصىٰ غايات هذا التجمع الغفير، وهذه الرحلة؟ عشرة آلاف إنسان، وربما عشرون ألفاً يمارسون شعيرة واحدة، في آن واحد. هل يمكنك أن تفكر بنفسك وسط هذا الانعتاق الجماعي الهائل، فتعمل شيئاً بمفردك؟ التيار يجتاحك ويأخذك أخذاً وبيلاً، هل حدث أن كنت وسط جماعة من الناس مذعورة، وهي تهرب من شيء ما؟ ضع كلمة «منعتقة» مكان كلمة «مذعورة» في الجملة السابقة، وضع «حائرة» بدل «تهرب» ، أو ضع مكانها كلمة «لائذ» . أنت مسلوب الإرادة مئة بالمئة، وسط هذا البحر العاصف من البشر. تنسلخ كلمة «الفرد» هناك عن كل معانيها ومدلولاتها، ولا يبقىٰ فارق بين الألفين والعشرة آلاف. . . ووجدتني لا أستطيع المواصلة. أجهشت بالبكاء، وهربت. وعنّ لي أن البسطامي أخطأ؟ فاحشاً، إذ لم يلق نفسه تحت أرجل هؤلاء السعاة، أو على الأقل من أن يلقي أنانيته تحت أقدامهم. حتى الطواف، لا يثير مثل هذه المشاعر، والهياج الروحي» . 1ثم يقارن جلال بين تجليات الروح حالة السعي والطواف، وما يمكن أن يستلهمه الإنسان من ممارسة كل واحدة من هاتين الشعيرتين، فيكتب: «في الطواف حول البيت تسير مع الناس بأكتاف متلاصقة باتجاه ما، تدور معهم حول شيء معين، أي أن ثمة هدفاً فيه ونظاماً. وأنت نقطة في دائرة عظيمة تجول حول مركزها، فأنت إذن متصل بمنظومة معينة، ولست منعتقاً متروكاً لحالك، والأهم من ذلك أنك لا تواجه أحداً هناك. تلاصق عواتق الآخرين، ولا تنظر في وجوههم، فلا تبصر الانعتاق والهيام إلّافي التدافع والتلاحم، أو تسمعه مما تلهج