175إلى البيت الحرام، والمناسك المقدسة، وأتمنىٰ أن أتمثل تلك الحالات والابتهالات، بل أتمنىٰ أن يطالع الحجاج والمعتمرون رحلة آل أحمد، لينفتحوا علىٰ ما تختزنه المناسك من منابع للإلهام الروحي والتربوي، وليغدو الحج مناسبة استثنائية لإعادة بناء الشخصية المسلمة، وإعدادها أخلاقياً ومعنوياً، لتجسيد رسالة الإسلام في الحياة، وبالتالي تجسيد التسامح، وقبول الآخر، والأمن والسلام.
لقد كان الدكتور علي شريعتي شديد الإعجاب برحلة جلال هذه، وكان يأمل أن يرافقه مرة أخرىٰ إلى الحج سنة 1969، لكن آل أحمد التحق بالرفيق الأعلىٰ قبل أن تتحقق اُمنية صديقه شريعتي، وعندما ذهب الأخير للحج في ذلك العام، كان يقول: «إن أطياف آل أحمد ما لبثت ترافقني في كل مكان كنا نؤدي المناسك معاً، لكن لا أدري لماذا وجدته في السعي أكثر حضوراً من أي مكان آخر. إن أشعة حضوره ظلت ساطعة. كنت أسمع صوت أقدامه، كان يهرول مسرعاً. كنت أتحسّس زفير أنفاسه كزفير أنفاس عاشق. كنت أهرول مع جموع الناس. غير أني كنت أعانقه حيثما أذهب، ما انفك يهرول معي. أراه كالصخرة المتدحرجة من جبل الصفا. هكذا اندمج مع البشر، كنت أسمعه وأراه كالحلاج، حينما كان يضرب رأسه بعمود الأسمنت، وهو يصرخ بالناس: إنما أضربه لصلابته وعصيانه. لماذا رأيته في السعي أكثر من أي مشعر آخر؟ لأنه تفاعل في حجه بالسعي أشد من أي منسك سواه. هكذا قرأته في رحلته إلى الحج. أظن أن عمره يشبه السعي. كان كالعطشان الذي يلهث وراء الماء لإسماعيل الظامئ في الصحراء.
كان عدوه في الصحراء بمثابة السعي. . .» 1.
كتب آل أحمد يوم السبت الموافق 18 / 4 / 1964، في يومياته، وصفاً