172البدائية، وهي أشكال ما فتئ آل أحمد شغوفاً بالعودة إليها، لأنه كان يمقت كل الأساليب الحديثة التي اكتسحتها.
ولم تقتصر مطامح آل أحمد في رحلته على الملاحظات العابرة، والانطباعات العاجلة، وإنما كان يسعىٰ للتوغل في الأبعاد الخفية لما يراه من ظواهر، ويعمل علىٰ تحليلها، من أجل اكتشاف مضمراتها، وما لا تقوله من نزعات بشرية، وما يدخل في تشكيلها من عناصر ثقافية.
إنه يحاول أن يسجل ملاحظاته من منظور باحث أنثروبولوجي، ولذلك يمكن أن تُصنف هذه المذكرات كوثيقة أنثروبولوجية، لدارس مهتم بالتعرف علىٰ طبائع المجتمعات الإسلامية، وأنماط ثقافاتها، من خلال معايشة الجماعات الوافدة للحج من تلك المجتمعات، والاختلاط بمن يلتقيه منهم، والمبادرة بسؤاله، بما يتقنه من العربية أو الإنجليزية.
3- تشتمل هذه الرحلة علىٰ معلومات تاريخية هامة، ذلك أن مؤلفها كان يدوّن ما يشاهده، من عمارة البيت الحرام، والجغرافيا السكانية والعمرانية لمكة المكرمة والمدينة المنورة، والأسواق والمتاجر، والشوارع، وعربات النقل، والمناسك في عرفات، ومزدلفة، ومنىٰ، وأشكال مخيمات الحجّاج فيها، بل حرص علىٰ تقديم إحصائيات رقمية لأعداد الوافدين إلى الحج في ذلك العام، وجنسياتهم، وهي أرقام استقاها من الصحافة الصادرة وقتئذ، لأن آل أحمد كان مواظباً علىٰ مطالعة الصحف اليومية في الديار المقدسة، وربما استقاها أيضاً من أسئلته المتنوعة للأشخاص الذين يلتقيهم، حين يستقل وسائط النقل، أو يتجوّل في الأسواق، أو أثناء أداء المناسك، وزيارة المشاهد المشرفة.
وقد ظل يواظب علىٰ تسجيل ملاحظاته في دفتر يصطحبه حيثما كان؛ في محل الإقامة، وفي السيارة، وفي المناسك، وحتىٰ في مواطن الانتظار، في المطار، وغيره.