171والمساكن، ووسائط النقل، وطبيعة المرافقين، في الرحلة.
وهو اختيار لم يكن عشوائياً فيما أظن، ذلك أنه أراد أن يعيش الصورة الحقيقية لهذه الرحلة، بعيداً عن التشريفات التي تخلعها علىٰ منتسبيها بعض القوافل المترفة، أو بعض الوفود والبعثات الرسمية.
أخال أن آل أحمد كان بإمكانه السفر مع قافلة مرفهة، يتبوأ فيها مكانة تمنحه امتيازات مادية ومعنوية تحافظ علىٰ مقامه، لأنه كان ينال مكافآت علىٰ كتاباته، مضافاً إلىٰ مرتبه الشهري، لكنه آثر أن يرافق قافلة شعبية، ذات امتيازات متواضعة، لكي يلامس عن قرب مشاعر الناس، ويتحسّس حياتهم عن كثب، مثلما تكلم عن ذلك فيما كتب في هذه الرحلة، مشيراً إلىٰ ضرورة اقتراب المفكر من هموم الناس، وقضاياهم، عبر معايشتهم.
وكانت هذه عادته في السفر والتجوال بين المدن الإيرانية، إذ يسافر مع الناس، في وسائط النقل العام، فينفتح علىٰ خفايا حياتهم عن قرب، ويندمج في آلامهم المختلفة، ويتعرف علىٰ طبيعة تفكيرهم، وتطلعاتهم، وأحلامهم، ورؤيتهم للواقع، وما يضج به من متاعب، ومشكلات متنوعة.
إن هذه الرحلة منحت آل أحمد فرصة هامة، لإعادة اكتشاف طبيعة العلاقات السائدة بين عامة الناس، ونمط وعيهم وتفسيراتهم للظواهر الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية، ورؤيتهم الكونية، وطقوسهم، ولذلك كان يهتم بملاحقة كل صغيرة وكبيرة في أحاديث المرافقين في القافلة، وحالاتهم في ساعات الراحة والسكينة، والاضطراب والتوتر.
وبالتالي تبدو هذه الرحلة مناسبة عزيزة في حياة آل أحمد، للفرار من عوالم النخبة ومشاغلها، والعيش مع عامة الناس، والالتصاق بحياتهم، تلك الحياة الزاخرة بالبساطة، والعفوية، والبراءة، المشابهة للبداوة، أو القريبة من الأشكال