44هكذا اتّخذ المشروع الإصلاحي معالم سياسية محدّدة كان يمكن أن تتراجع بعودة الدستور والحرّيات (1908 - 1909م) لولا وفاة محمّد عبده عام 1905م، وافتقار الإصلاحيّين من تيّار المنار إلى شخصية مشابهة جامعة.
لذلك انقسم الإصلاحيّون إلى قسمين:
العرب (من أهل الشام بالتحديد) الذين فكّروا وعملوا من أجل لا مركزية تعطيهم حكماً ذاتيّاً ضمن الدولة. وقد اجتمعوا عام 1913م بباريس، وظهرت أصوات تدعو للانفصال التامّ. وقد ضعُف تيّار اللامركزية خلال الحرب بسبب اتجاه كثيرٍ من دعاته (أهمّهم محمّد فريد وشكيب أرسلان) لدعم الدولة بدون شروط لخوفهم على الوجود -.
والقسم الثاني - وأكثره من مسلمين غير عثمانيّين - رآى ضرورة الانتظام ضمن الداعمين للدولة دونما اشتراط للأخطار الكبيرة التي تتهدّدها وتتهدّد المسلمين بشكلٍ عام.
وانتهت الحرب بهزيمة الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا، واحتلال اسطنبول، وتمرّد مصطفى كمال بالأناضول كما هو معروف. وتسارعت خطوات الاضمحلال بفصل السلطنة عن الخلافة عام 1912م، وإلغاء الخلافة عام 1924م. وتعاظم الإحساس بالفجيعة بسبب الهزيمة من ناحية، وقيام كيانات صغيرة منفصلة في ظلّ الاستعمار؛ لكن أيضاً وقبل ذلك بسبب فقد المشروعية بسقوط «دار الإسلام» أو نظامها (الخلافة) لصالح النظام الدولي المتبلور في حقبة ما بين الحربين.
لقد كان من الطبيعي والحال هذه، أن تعود فكرة المؤتمر وبمكّة للبروز بقوّة. فالشرعية العثمانية تتضاءل ثمّ تزول، وراديكاليو الإصلاحيّين كانوا قد رأوا مع الكوكبي إمكان عقد مؤتمر اختيار خليفة بمكّة. لكنّ الفريقين الإصلاحيين كانا قد تغيّرا أثناء الحرب، وما عاد يمكن تحديدهما حتّى ضمن مقاييس ما قبل الحرب.
فالمسلمون خارج السلطنة العثمانية، وعلى رأسهم محمد علي وشوكت علي من «حركة الخلاف» الهندية ظلّوا