32وهكذا فإنّه إذا كان خليل باشا قد دعا فعلاً إلى مؤتمر للتضامن مع السلطنة؛ فإنّ الدعوات الاُخرى للمؤتمر - ومن جانب مسلمين لا يخضعون للدولة العثمانية - كان يمكن أن تكون تعبيراً عن اليأس من العثمانيّين، والتفكير في بدائل لحماية وجود الإسلام ووحدة المسلمين في البلاد التي لم تصلها سيطرة العثمانيين أو انحسرت عنها مثل الهند واندونيسيا وآسيا الوسطى وغيرها.
والواقع أنّ ثمانينيات القرن التاسع عشر ظهر فيها كلا التوجّهين. التوجّه الذي يسعى للاتحاد الإسلامي أو الجامعة الإسلامية عن طريق المؤتمر الذي يتّخذ شكل التضامن مع الدولة العثمانية تقويةً لجانبها في مواجهة القوى الأجنبية. والتوجّه الآخر الذي لا يُصارحُ الدولة العلية بالعداء، لكنّه يسعى عن طريق المؤتمر والاتحاد للقيام بما لا تستطيع الدولة العثمانية القيام به أو لم تعد تستطيع ذلك. وفي قلب التوجّه الثاني بالذات ظهرت فكرة المؤتمر بمكّة.
تحضر الدعوة لمؤتمرٍ بمكّة أثناء موسم الحجّ للمرّة الاُولى في رسالةٍ بالتركية موجَّهة للسلطان عبد الحميد الثاني، عام 1881م عنوانها: «رسالة في الاتحاد في سبيل سعادة الملّة الإسلامية» (5) ، وكاتبها اسمه سليمان الحسبي (1327ه / 1909م) . يشرح المؤلّف دواعي الوحدة وبواعثها وفوائدها، ومساوئ التفرّق، ويدعو للسلطان عبد الحميد. لكنّه يقترح فجأةً من أجل جعل الاتحاد ممكناً مؤتمراً سنويّاً أثناء موسم الحجّ، وحجّته في ذلك أنّ الحجّ يجمع سائر كبراء المسلمين ممّن هم تحت السيطرة العثمانية، أو خارجها. كما أنّ مكّة بعيدةٌ ومُحايدةٌ وتغيب عنها مراقبة الأجانب ودسائسهم.
رسالة الحسبي هذه ليست معاديةً قطعاً للدولة العثمانية ولا للسلطان عبد الحميد، لكنّها تتصوّر مركزاً للاجتماع والتفكير والتقدير غير اسطنبول. ونحن نعلم اليوم لماذا لم يتجاوب معها السلطان عبد الحميد. إذ كان وقتها قد حوّل اسطنبول، عاصمة السلطنة والخلافة معاً، إلى مركز للدعاية لنفسه،