31وراء اتجاه الكثيرين من دُعاة فكرة «المؤتمر» ، من سياسيّين ومثقّفين، لعقده بمكّة وأثناء موسم الحجّ. أمّا الفكرة نفسها فجديدة، بمعنى أنّها لم تظهر قبل النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وهي عندما ظهرت فإنّ قصدها إلى مكّة كانت له أسبابه الدينية والعلمية؛ أمّا أهدافُها أو مقاصدُها فكانت سياسية وثقافية إذا صحّ التعبير.
يذهب sellieraB. B (2) إلى أنّ الصدر الأعظم خليل باشا كان أوّل من دعا حوالى العام 1865 إلى مؤتمر باسطنبول، تتوحّد فيه قوى الإسلام من رعايا السلطان، ومن غير رعاياه، لمواجهة الضغوط الأجنبية. ولا نملك دليلاً على ما ذهب إليه من ارشيف الدولة، أو من أيّ مصدر آخر. لكنّنا نملك مخطوطةً صغيرةً بالفرنسية تعود للعام 1871م (3) ، تحمل على فكرة «الاتحاد الإسلامي» أو «الوحدة الإسلامية» ، بحجّة أنّ ذلك إن كان فلن يكون في صالح المسلمين، ولا في صالح الدولة العثمانية. لن يكون في صالح المسلمين؛ لأنّه سيُظهرهم بمظهر المتعصّبين الذين يتوحّدون على أساس ديني. ولن يكون في صالح الدولة العثمانية؛ لأنّه سيزيد من ضغوط الدول الأجنبية عليها، وبخاصّة تلك التي تحتلُّ دياراً من ديار المسلمين. وهكذا فإنّ دعوة الاتحاد عن طريق المؤتمر ليست في صالح أحد. وعلى الرغم من أنّنا لا نعرف كاتب تلك الرسالة؛ فإنّ بدايات فكرة المؤتمر - كما يبدو - كانت لها علاقة وثيقة بالسلطنة العثمانية تأييداً أو معارضة. فقد كان الموقف آنذاك أنّ الدولة العلية خاضت عدّة حروب ضد روسيا والنمسا وبعض شعوب البلقان، وما استطاعت الانتصار في أيٍّ منها.
وكانت تعمدُ بعد كلّ من تلك الحروب إلى عقد معاهدة هدنة أو صلح تفقد بمقتضاه أراضي أُخرى، وتنحسر عن أقاليم. ومع الربع الأخير من القرن التاسع عشر كانت السلطنة قد فقدت أكثر أراضيها في القوقاز وآسيا الوسطى والبلقان، وشمال افريقيا، كما كانت سيطرتها قد انحسرت عن اليونان ومصر والجزائر منذ الربع الأوّل من القرن التاسع عشر (4) .