209الإسلامي، ففي كثير من هذه البلدان يوجد اهتمام كبير بلقب «حاج» الذي يحمله من أدّىٰ هذه الفريضة، ويبلغ اهتمام الناس بهذا اللقب أن الأبناء يرثونه عن الآباء والأجداد كما يحدث كثيراً في أندونيسيا وماليزيا والسودان، ولا ينسىٰ رجل ذهب للحجّ ثمّ لزمه هذا اللقب أن يتّجه إلى الطيبة والاستقامة؛ ليكون أهلاً لحمله» 1.
إنّ الدلالات السياسيّة المختلفة التي تتضمّنها ظاهرة الحجّ في المجتمع الإسلامي تنطوي علىٰ سمات خاصّة بهذا المجتمع. فالسياسة ليست مؤسسة قائمة بذاتها ومنفصلة عن باقي جوانب وأبعادالحياة الفرديّة والجماعية. بل هي لحظة تندرج ضمن ممارسة شموليّة متعدّدة الجوانب تعطي للنسق السياسي الإسلامي بعداً توحيدياً متميزاً.
ومن هنا خطأ موضوعتين شائعتين في فهم دلالات الحجّ عند بعض المحللين والدارسين لهذه الظاهرة:
فالموضوعة التي تحاول أن تختزل الحجّ إلىٰ ظاهرة تعبّدية مقتصرة علىٰ تنفيذ بعض الشرائع والفرائض، منظور إليها علىٰ أنّها ممارسات منفصلة عن باقي جوانب الحياة الاجتماعيّة، تجد لها تعبيراً في كثير من الدراسات والمواقف التي تتّخذها مؤسسات سياسيّة مختلفة. وهي بذلك تعكس موقفاً وممارسة تاريخيين، طالما تداخلا وتشابكا مع ظاهرة الحجّ ووسماها بهذا الطابع عبر التاريخ. غير أنّ هذه الوجهة لم تستطع تدجين ظاهرة الحجّ واستيعابها إلّالفترات معيّنة من التاريخ. وبقيت هذه الظاهرة حيّة تنبض بالحياة وتنتظر المناخ المناسب لتعيد سيرتها الأولىٰ كإحدىٰ ركائز المجتمع التوحيدي الأساسيّة.
والموضوعة الثانية، إحالة الحجّ إلىٰ مؤتمر سياسي سنوي على النمط الذي نلحظه في الممارسة السياسيّة الحديثة. (الاجتماع أو المؤتمر الحزبي وما شابه) . إنّ خطأ هذه الوجهة يكمن في إسقاط الفهم المعاصر والسائد لطبيعة المؤسسة السياسية علىٰ ظاهرة مختلفة، لها أسّها ومنطقها الخاصان بها، واللذان يعبران عن