210أنفسهما في ظاهرة الحجّ الشموليّة، والتي يندرج فيها في زمن واحد، المستوى العقدي، والفكري، والنفسي، والاقتصادي والسياسي. . . ممّا يعطي لهذه الممارسة خاصيّة وفرادة مميزتين، كما يعطي لكلّ بعد من أبعاد هذه الممارسة طابعاً مميزاً له أسسه وقواعده ومنطقه اللازم له.
لذا نؤكّد ضرورة العمل علىٰ كشف المنطق العام الذي يحكم هذه الظاهرة، مستندين إلىٰ منهج شمولي مرن، يسمح للباحث بالانفتاح علىٰ حقائق الواقع ومعطياته، دون أن يسمح للروى المنهجيّة والنظرية المختلفة، أن تكون قالباً جامداً، عاجزاً عن التقاط دلالات وأبعاد هذه المؤسسة. فلا بدّ والحالة هذه من تطوير مفاهيموأساليب منهجيّة و نظريّة علميّة دقيقة تستجيب و تتلاءم مع طبيعة الموضوع المدروس، بغض النظر عن المواقف القيمية والنظرية التي تسود علم الاجتماع العام وخاصّة المناهج السائدة في المجتمع الغربي الحديث في تجلياته المختلفة.
فمفهوم التوحيد، والجماعة، والفطرة، والعبادة، والشرع، وما إلىٰ ذلك من موضوعات منهجية ونظرية، كمفهوم العصبية، والقبلية والأمة، . . . كلّها مفاهيم أساسيّة في دراسة التجربة التاريخية والمعاشة من قبل الجماعة التوحيدية. كي يتمكن الباحث من بلورة مفاهيم اجتماعية دقيقة تصلح للتعامل مع طبيعيّة الواقع ودلالات ممالكه المختلفة.
إنّ المخاض الذي تعيشه الشعوب الإسلامية، والذي بلغ أشده في هذه المرحلة سيفتح الطريق أمام الشخصية الفكرية الإسلامية لأن تستعيد حركتها بعد أن طال زمن الانكماش والسير المتعثر، أيأنّ عمق الجراح وكثافة الأصفاد تستدعي بالضرورة نهضة شاملة لن يستقيم أيّ بنيان منها إلّاعبر التواصل والتآزر مع الأبنية الأخرىٰ.
إنّها بداية امتحان لقدرة المسلمين على المواجهة الحضاريّة الشاملة في ميادين الجهاد المختلفة.