196تعتنقها أدواراً متعدّدة تطال مختلف المستويات والبُنى الاجتماعيّة التي تشكّل مجتمعة البناء الاجتماعي العام.
الحجّ في المجتمع التوحيدي
وأذّن في الناس بالحجّ يأتوك رجالاً وعلى كلّ ضامر يأتين من كلّ فجّ عميق. . . 1.
المنظومة الفقهيّة الضابطة
إنّ القيام بالحجّ، ليس أمراً عفوياً يقوم به المسلم كيفما اتّفق، انطلاقاً من قناعاته الفرديّة، أو تأثراً بالمناخ الحقوقي والقانوني الذي ينظم العلاقات الاجتماعيّة المختلفة في البلد الذي يعيش فيه، ولا انطلاقاً من العرف الذي يحكم القبيلة أو الطائفة التي ينتمي إليها.
فالحجّ تحكمه منظومة فقيهّة تفصيليّة، يتعامل معها المسلمون علىٰ أنّها شروط إلهيّة ورساليّة، لا يحقّ للفرد أو الجماعة أو الأمّة، في أيّة مرحلة من مراحل التاريخ وفي أيّة بقعة من بقاع الأرض، أن يُجروا أيَّ تعديل عليها، مهما كان الموقع الذي يتبؤونه في السلطة وفي الحياة العامّة.
إنّها نظمة فقهيّة متكاملة، يحكمها منطق متكامل مقصود بذاته فيما يتخطى ارتباطات الأفراد والجماعات والشعوب. . هذه النظمة الفقهيّة، سواء درسناها في كلّياتها أو في جزئياتها، نجدها تتضافر وتتفاعل لتعطي للظاهرة بعداً فقهياً توحيدياً، يتجاوز مجموع انفعالات وقناعات وممارسات الذين يحجّون، دون أن يشكل بذلك قطيعة أو حالة تعارض وانقطاع مع فعل الحجّ هذا، بل تشكل هذه النظمة نقطة بداية ووصول لحالة «الفطريّة البشريّة» التي تشكل المنظومة الفقهيّة المذكورة «نموذج قياس» بالنسبة لها، تعيد علىٰ أساسه وزن سلوكها الخاص والعام وانطلاقاً منه ورجوعاً إليه، إذ بذلك يعتقد المسلمون أنّهم يسيرون على الطريق المؤدي إلىٰ نمو وازدهار شخصيتهم وحياتهم عبر التاريخ وفق المنهج والرؤية