197التوحيديّة.
إنّ التعمّق في فهم معاني ودلالات المنظومة الفقهيّة الناظمة لظاهرة الحجّ، له فوائد معرفيّة جمة فيها يخصّ مختلف فروع المعرفة الإنسانيّة المتعلقة بالقانون:
فلسفة القانون، علم القوانين، علم السياسة، علم الاجتماع القانوني، القانون التاريخي المقارن. . . ففلسفة القانون الغربي والوضعي عموماً، تستند في أساسها إلىٰ مبدإ القوّة والغلبة الزمنيين.
فالقانون في التحليل الأخير، هو فرض الحدود والتوازن علىٰ قاعدة قوّة زمنيّة ما، قبيلة كانت أو فئة اجتماعيّة ما، أو سلطة ملك أو دولة ما. أيأنّ الاختلال متضمّن في نقطة الانطلاق هذه؛ لأنّ الحدود المفروضة هنا هي حدود القوّة الزمنيّة القاهرة. «والتوازن» المفروض، هو توازنات مصالح القوى الغالبة بحيث يغدو مبدأ المساواة هنا متعلقاً بمعطىٰ تجزيئي زمني، يطرح نفسه ناظماً لمبادئ كليّة وعامّة.
فالوحدة هي شأن تابع لمعطىٰ أصيل أساسه التجرؤ والغلبة بالقوّة. بينما نجد بالمقابل أنّ الإسلام يطرح التوحيد والوحدة كأصل وكهدف. فالوحدة في المفهوم الإسلامي، ليست وحدة القوّة الجزئيّة الغالبة على الأجزاء والمتحكّمة بها. بل هي وحدة المدار التكويني للإنسان، والاختلال هو العنصر الطارئ عليها. وهذه الوحدة التكوينيّة ليست قهريّة؛ لأنّ لحمتها لا تقوم علىٰ أساس تجزيئي بل تتعلّق بتجلّيات المحور التوحيدي منذ البداية.
يترتّب علىٰ ما تقدّم إعادة فتح النقاش حول كثير من الموضوعات الفكريّة السائدة على المستوى العالمي حول أسس التشريع وموقع الإنسان منها، وحول تاريخيّة النظم القانونيّة وعلاقتها بحركة الناس والأمم في الزمن الوجودي المعاش.
إنّ ديمومة النظم الفقهيّة الإسلاميّة وثبات مدارها، هما الوجه الآخر لديمومة السعي للانعتاق من ذلّ العبوديّة. فالتشريع الإسلامي بهذا المعنىٰ، يطرح ثوابت للانعتاق من الوحدة الوثنيّة علىٰ طريق الوحدة التوحيديّة إن جاز التعبير.