191الظاهرة بالذات؛ لحجّة منطقها الذي تتواصل فيه مع غيرها من العبادات من جهة، ولحجّة فرادتها وتميزها من جهة أخرىٰ.
إنّ هذه المنظومة من العبادات تتبدّىٰ للوهلة الأولىٰ بالنسبة للباحث، علىٰ أنّها مجموعة عبادات فرديّة متناثرة، لا يجمعها جامع، وبالتالي، فبإمكاننا مواجهتها معرفياً، كممارسة فرديّة، انطلاقاً من منهج نفسي - ثقافي، نظراً «لطبيعتها» هذه أو علىٰ أنّها امتداد لتجربة مجتمع في مرحلة معيّنة من التاريخ على المستوى الأيديولوجي. وبالتالي فإنّنا إمّا أن نعتبرها ظاهرة تاريخيّة انتهت بانتهاء المرحلة التي ولدتها، وإمّا أن نعتبرها استمراراً لبعض الشعائر والمعتقدات التي كانت سائدة في مرحلة معيّنة من تاريخ المجتمع الذي وَلَّدَ هذه الممارسة.
ولكن مراجعة دقيقة لمعطيات الواقع المُعاش من قبل المسلمين وغير المسلمين من جهة، ولمعطيات الحقب التاريخية المختلفة، تكشف لنا أنّ ظاهرة الحجّ، تتّسم بالاستمرارية التاريخيّة من جهة، وبتعدد الأبعاد الاجتماعيّة التي تنطوي عليها هذه الظاهرة من جهة أخرىٰ، بحيث تغدو هذه الظاهرة إحدى الظواهر الأساسيّة، التي يتكثف فيها وعبر أشكالها المختلفة المنطق العام أو الأوليات العامّة، التي تنظم البناء المجتمعي التوحيدي بكليته، من عقائد وفقه، واقتصاد وسياسة، وفنون ومعاناة فردية وجماعيّة معاشة. أيأنّها ظاهرة متعدّدة الأبعاد، يمكننا أن نطال بالدراسة لها البعد العقدي والاجتماعي، والاقتصادي والسياسي والنفسي، والجمالي. كما يمكننا أن نخطو خطوة أخرىٰ من أجل تحديد بنية هذه الظاهرة والعناصر المختلفة المكونة لهذه الظاهرة في «ثبوتها» وحركيتها، في شكلها ومضمونها.
ومن جهة أخرىٰ، يمكننا انطلاقاً من الحيز الذي تحتلّه هذه الظاهرة في البناء الاجتماعي العام، وانطلاقاً من جملة العلاقات والممارسات والأسس المتميّزة التي تطبع هذه الظاهرة؛ في تدعيم وجود واستمراريّة المجتمع الإسلامي ككلّ،