132نفوس قوم وراحت تصوّر لهم أنّه فيه ميلٌ عن الحقّ وبعدٌ عن الصواب، لا أساس له، وهو مجرّد أهواء لا غير، هذا وأنّ هذا المقطع لم يكتف بدفع تحرّجهم الذي أوقعهم به توهّمهم حظر هذا المنسك، بل يمكن الاستفادة منه تشجيعه لهم وحثّهم - ضمناً - على أدائه.
ثمّ إنّ الحرج أو الإثم. . الذي سمّته الآية «جُناح» جاء ليحكي لنا الحالة التي عاشها بعضهم، وجاءت الآية لتحصين النفوس منه، ودفعه عنها، ولم يأتِ ليتناول أو يبحث أصل وجوب السعي، فأصل وجوب السعي بين الصفا والمروة لا غبار عليه، وإن حدث شيء من هذا فقد دفعه المقطع الأوّل وأكّد وجوده وثباته. . . وإنّما جاء التعبير «فلا جناح» ليدفع ذلك الحرج الذي وقعوا فيه، وأنّه لا إثمَ عليكم وأنتم تؤدّون واجباً ومنسكاً من مناسك الحجّ والعمرة، ولا يضرّ بهذا الأداء وجود الصنمين أو سبب من تلك الأسباب حيث شكّل وجودها حرجاً لمن يسعىٰ، ما دامت نواياكم صادقةً خالصة متقرّبة بهذا الأداء إلى اللّٰه تعالى لا إلى غيره.
يقول الطبري: فإن قال قائل: وما وجه هذا الكلام فلا جناح. . . وقد قلت لنا: إنّ قوله: إنّ الصفا والمروة. . . وإن كان ظاهره ظاهر الخبر فإنّه في معنىٰ الأمر بالطواف بهما، فكيف يكون أمراً بالطواف، ثمّ يقال لا جناح. . . ؟ والأمر بالطواف بهما والترخيص في الطواف بهما غير جائز اجتماعهما. . .
وكان جوابه: أنّ النبي صلى الله عليه و آله لمّا اعتمر عمرة القضيّة تخوّف أقوام كانوا يطوفون بها في الجاهليّة. . . 1فهو - إذن - جاء ليصحّح لهم ما اختلّ فهمه عليهم وارتبك تفسيرهم له، ممّا جعلهم يتساءلون: أيصحّ السعي أو لا يصحّ، فيه إثم أو لا إثم فيه؟
فأصل السعي لم يتعرّض له هذا المقطع، فهو منسك ثابت وواجب لا ريب