296وبعث إلى القبائل المحيطة بالمدينة أن يتأهبوا ويأتوا إلى المدينة، فكانت الوفود تأتي ولكنها لا تعرف وجهة المسير، ووضع الحرس والعيون على المدينة يراقبون كل خارج منها وكلّ داخل إليها، ويفتشون من يمرّ ليلاً ونهاراً. وبينما هو يتهيأ للمسير نحو مكة تسرّب الخبر الىٰ أحد أصحابه وهو حاطب بن بلتعة الذي رأىٰ أن رسول اللّٰه إذا ذهب بهذا الجيش الجرّار الىٰ مكة ربما تكون نهاية قريش وعزّ عليه ذلك، وكان له فيها أرحام وأقارب، وقد تكون العاقبة لقريش فيكون له عندها يد.
هكذا أصحاب النفوس الضعيفة يفكرون في علاقات ذاتية حتى في أحرج الأوقات، ويتخذ لنفسه حصناً يأوي إليه عند تقلبات الأحوال، وهكذا يقوم حاطب بن بلتعة بعملية خيانية لا عهد للمسلمين بها، وهي ايصال أخبار عسكرية سرية الىٰ الأعداء.
وفكّر حاطب في ايصال الخبر كثيراً؛ لأنّه خاف من تفشي الأسرار، وافتضاح أمره، فعمد الىٰ امرأة قينة مغنية أغراها بالمال، وكان هواها في قريش، ولم تكن أسلمت بعدُ، واتفقا على كيفية وضع الكتاب في ضفائرها لقاء أجر باهض ونسي حاطب أن اللّٰه مطلعٌ على كلّ شيء، وأن الوحي يوصل الأخبار السرية بأقل من لمح البصر. وكان الكتاب يحتوي على أسرار عسكريّة بالغة الخطورة عن أهمية الجيش، وعدد الفرسان والرجالة، وكثرة السلاح والخيل والبغال والجمال.
وخوفاً من التفتيش العسكري وضعت الكتاب مطوياً في ضفائرها، بحيث لا يمكن لأحد حتى - لو فتشها - أن يهتدي إلى الكتاب، ثم خرجت تسلك طريقاً بعيداً عن عيون الحراس، توهمهم بالحشمة والحياء، وتتستر بهذه المظاهر، لتخفي جاسوسيتها على الدين وعلى الرسول.
وما إن غادرت المدينة حتى نزل الوحي المبارك يخبر النبي صلى الله عليه و آله بالكتاب، وأين موضعه، وما فعل حاطب، فدهش النبيّ صلى الله عليه و آله لهذه المفاجأة، وهذه الخيانة من أحد أصحاب بدر، فدعا علياً على الفور، قائلاً له: إن أحدَ أصحابي كتب إلى أهل مكّة