295ولم يلبث أن خرج بركب بعيره، وينطلق عائداً الىٰ مكة، خالي الوفاض، يجرّ أذيال الخيبة والهزيمة، إذ لم يستطع أن يحقق شيئاً مما جاء اليه.
وقدم أبو سفيان على قومه، فسألوه ما وراءك يا أبا سفيان؟
قال: جئت محمداً فكلمته، فو اللّٰه، ما ردَّ علي شيئاً، ثم جئت بعض أصحابه فوجدتهم أعدى الناس إليّ، ثم جئت عليّ بن أبي طالب فوجتُه ألينَ القوم، وقد أشار عليّ بشيءٍ صنعته، فو اللّٰه، ما أدري هل يغنيني شيئاً أم لا؟
قالوا: وبما أمرك؟
قال: أمرني أن أُجير بين الناس ففعلت.
قالوا: فهل أجاز محمدٌ ذلك؟
قال: لا.
قالوا: ما زاد الرجل على أن لعب بك، فما يغني عنا ما قلت 1.
أرأيت إلى علي الشاب النابغة الذي يزن الرجال بميزان، ويعرف كيف يضرب ضربته الذكية؟ فهو كمن يطعن خصمه في المعركة فيرديه بكلامه وموقفه ودرايته، ويجعل الخصم المجرب قائد القوم وكبيرهم ولداً وطفلاً لا يدري ماذا يفعل. أرأيت علياً كيف طعن خصمه السياسي دون أن يخرج السيف من غمده؟ أرأيت إلى العقل الموجه، كيف يفعل فعلته فيشوش على خصومه ما يجعلهم حيرى لا يدرون ما يفعلون؟
هكذا تعامل علي العبقري الشاب مع شيخ قريش وسيد كنانة، وأرجعه طفلاً. وهكذا فهم أبو سفيان، وفهم معه قومه أن علياً لعب بأبي سفيان، وضربه ضربةً موجعة بعد الضربتين اللتين تلقاهما من ابنته أمّ حبيبة ومن الرسول صلى الله عليه و آله هذا هو الدور الأول الذي لعبه علي لتسفيه أبي سفيان واذلاله وجعله كالطفل الصغير.
الدور الثاني:
بدأ رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله يخطط لغزو مكة وفتحها، فأمر بشحذ السلاح وجمعه،