287المبهجة لفعل، وتقدير الكبرى: ولو فعل لكان يجب منه تصغير قدر الجزاء على قدر ضعف البلاء، وتقدير استثناء هذه المتّصلة؛ لكنّه لا يجب منه ذلك ولا يجوز؛ لأنّ مراد العناية الإلهية مضاعفة الثواب وبلوغ كلّ نفس غاية كمالها، وذلك لا يتمّ إلّا بكمال الاستعداد بالشدائد والميثاق؛ فلذلك لم يرد أن يجعل بيته الحرام في تلك المواضع لاستلزامها ضعف البلاء» 1.
لقد أراد اللّٰه عزّوجلّ لبيته الحرام أن يكون محكّاً لمدى الإرادة والعزم، والتضحية والبذل، والخشوع والخضوع، والحبّ والعشق: «تهوي إليه الأفئدة من مفاوز قفارٍ سحيقة، ومهاوي فجاجٍ عميقة، وجزائر بحارٍ منقطعة، حتى يهزّوا مناكبهم ذلُلاً يُهلِّلون للّٰهحوله، ويرمُلونَ على أقدامهم شُعثاً غُبراً له. قد نبذوا السرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله اللّٰه سبباً لرحمته، ووُصلة إلى جنّته» .
وهكذا نلتقي مرّة اُخرىٰ بقصّة الابتلاء والامتحان والاختبار والتمحيص. .
التي هي سبب الرحمة والوصلة إلى الجنّة، لتكون المعادلة كما ترسمها خطبة «القاصعة» :
«كلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل» .
معادلة الجزاء على قدر الابتلاء
إنّها المعادلة ذاتها التي أراد اللّٰه للكعبة أنْ تكون من أحجار عادية وليس من زمرّد وياقوت، كانت مشيئة اللّٰه عزّوجلّ أن يكون الإنسان (آدم) من طين، يقول عليّ عليه السلام في (القاصعة) :
«ولو أراد اللّٰه أن يخلق آدم من نورٍ يخطف الأبصار ضياؤه، ويبهر العقول رُواؤه، وطيبٍ يأخذ الأنفاس عَرفُه، لفعل.
ولو فعل لظلّت له الأعناق خاضعة، ولخفّت البلوىٰ فيه على الملائكة.