13على الرضوخ للحق والانصياع للعدل فأبت إلّانفوراً واستكباراً. وركن شانئوك ومن نصبوا لك العداء إلى سيوفهم فلعلّ آمالهم وأطماعهم تتحقّق، فما اشتبكت الأسنّة على أحدٍ كما اشتبكت عليك، ولا اختلفت الألسن والأقلام في أحدٍ كما اختلفت فيك. . فَظَلمك قومٌ وأنصفك آخرون، وختاماً تركوك وحيداً - وإن كنت حقّاً الوحيد بينهم بنعمٍ ظلّت حسرةً عليهم - إلّاأنّهم لم يتركوك حبّاً لغيرك وتفضيلاً له عليك، وهم يعرفون أن ليس هناك من يدانيك إيماناً وعلماً وفضلاً. . . بل تركوك؛ لأنّهم لم يتحمّلوا صدقك ولم يطيقوا عدلك. . خافوك على دنياهم وخفتهم على آخرتك.
* * *
إنّ تاريخك لحافل وإن حياتك لصالحة وإنّ ميراثك لعظيم وإنّك لفي مقام كريم. . استوقفت هيبتك الجميع، وبهرتهم صفاتك وأذهلتهم فضائلك حتّى لم يجدوا شيئاً منها في بشرٍ سواك. . فكانوا طوائف ثلاث:
فطائفة منهم أحبّتك حتّى ذابت فيك، وأنت القائل: «لو أحبّني جبل لتهافت» وذلك هو الفوز العظيم.
وأخرى أحبّتك حتّى العبادة، فيما بغى عليك قومٌ آخرون حسداً لما آتاك اللّٰه من فضله، وكلاهما من أصحاب النار هم فيها خالدون.
حقّاً ما قلتَه: «هلك فيَّ اثنان، محبٌّ غالٍ ومبغضٌ قالٍ» !
يقول الدكتور الجميلي:
«الرجل الذي هلك في حبّه نفرٌ كثيرٌ، وهو ذات الرجل الذي أهلكت عداوته نفراً كثيراً، فإنّ منالذين غالوا في حبّه هلكىٰ، ومنالذين قلوه ونفسوا عليه هلكى أيضاً؛ لأنّ حبّه جدير بالتفاني فيه، وقلاه أجدر علىأن يسحت أعداءَه ومبغضيه» 1.
* * *
لقد راح - سيّدي - قوم عاصروك وآخرون جاءوا من بعدهم ينتهلون من علمك ويتعلّمون من حلمك ويقلّدون شجاعتك. . إلّاأنّهم - وإن تمنّوا - لا يكونون مثلك أبداً. . وأنّى لهم وخصالك صنعتها يد الغيب، وسمات شخصيتك أفردتها لك