204الأولين، أولئك المقربون.
إنّها صرخة الحقّ التي أطلقها أمام أعين الظالمين، وكادوا ينكلون به ويقتلونه، بعد أن أذاقوه سوء العذاب. . حتى غشي عليه مرّات عديدة، ولولا أن تدخل هنا العباس بن عبدالمطلب ليقتلوه، فقد راح يحذرهم ويخيفهم من عواقب ما تقترفه أيديهم، وراح أيضاً يذكرهم بأنّ أبا ذر هذا من غفار - بعد أن أنساهم طغيانهم وحقدهم ذلك - وأهلها معروفون مَن هم، فإن تتعرضوا له بالأذى، فإن قبيلة غفار ستتعرض لقوافلكم التجارية إذ إنّ طريقكم إليه لا تحويل عنه. . .
فعندئذ توقفوا عن تعذيبه، وأطلقوا سراحه، فغادر الرجل مكة لا الى الحبشة كما هاجر إليها إخوانه من المسلمين، ولكن الى عشيرته وقومه، لينذرهم، وكان ذلك استجابة لأمر رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله. . . فهل أنت مبلغٌ عني قومك. . .
عاد الى قومه وبقي فيهم، ولم يهاجر الى المدينة إلّابعد غزوة تبوك؛ ليبدأ من هناك مرحلته التبليغية، فالأقربون أولى بالمعروف، وهل هناك معروف أعظم من هدايتهم لدين اللّٰه تعالى، وإنقاذهم ممّا هم فيه من انحراف وفجور وسطوٍ واعتداء على الأبرياء وطرق التجارة، التي قدر لغفار أن تكون مركزاً لمرورها؟ ! وبالتالي تخليص الناس من أذاهم، الى غير ذلك من المنافع إذا ما آمنوا واتقوا. فكان بحقّ رسولَ خير لهم. .
وفعلاً كانت البداية حيث علا في أوساطهم قول الحقّ بكلّ وضوح وصراحة صادقة: أن هلموا للإيمان وأن انطقوا بالشهادتين تنالوا بذلك عزّ الدنيا وخير الآخرة. ولأنّ دعوته نبعث من قلبٍ صادقٍ فما أسرع ما لاقت آثارها وجنت ثمارها. . . ! خُذنا يا أباذر إلى حيث نبع الخير والبركة إلى حيث رسول السماء؛ لكي نضع أيدينا على يديه المباركتين فنتزوّد منه، ونعاهده على أن نكون جنداً له، ونضع سيوفنا الى جنب سيوف المسلمين لنصون الحقّ وأهله. . ونترك كلّ ما