133الآفاق، حتىٰ كان يتجاوز الشكليات التقليدية في حركة هذا الخط، وكان يتحرّك في وعيه الاسلامي للمسألة الانسانيةفي واقع الاستضعاف والاستكبار، فيما هي آلام المستضعفين في حركة امتيازات المستكبرين، فكان يتألّم للانسان أيّاً كان انتماؤه، ويفكر أنّ الآلام الانسانية لا تمثّل في إيحاءاتها الشعورية مجرّد مشاعر حزينة، أو أصوات صارخة، بل لابدّ لها من أن تتمثل في حركة فاعلة من أجل إزالة هذهالآلام، وكانيرىٰأنّ مسألة الاسلام في وعي المؤمنين به، على مستوى القيادة أو القاعدة، هي مسألة الدعوة المتحركة في كلّ صعيد؛ لتملأ فراغ الفكر الانساني بالفكر الإسلامي، وتشحن روحيّة العاطفة الانسانية بالعمق الروحي للعاطفة في الاسلام، وتحرّك الواقع الانساني بالتشريعات الحركية للانسان في الحياة، ممّا يجعل مسألة الدعوة تنفتح على السياسة كما تنفتح على الفكر، كما يدفع مسألة المعاني الروحية نحو القيم الانسانية في الحياة.
وهذه هي الميزة البارزة في شخصيته، التي استطاعت أن تجعل ملامحها الداخلية والخارجية وحدة في الفكر والسلوك، على أساس وحدة الخط الاسلامي، الذي لا يبتعد فيه العرفان عن الشريعة، بل ينفذ إليها ليزيدها عمقاً في الحركة، ولا تتجمّد الشريعة لديه في نطاق فردي، بل تنطلق لتشمل الحياة كلّها بأبعادها العامة والخاصة في جميع المجالات.
وفي ضوء ذلك؛ لم يكن العرفان لديه استغراقاً في اللّٰه بحيث ينسى الحياة التي تضجّ حوله بكلّ آلام المستضعفين ومشاكلهم، وينعزل عن ذلك كلّه. . . كما يفعله الكثيرون من العرفانيين الذين استغرقوا في الجانب الفلسفي للعرفان فعاشوا في خيالاته التي تصوروها حقائق، وابتعدوا عن واقعهم. . فتحولوا الى كائنات إنسانيّة قد تستوحي منها بعض القداسات الروحية، لكنك لن تستوحي منها حركة الحياة في روحية المسؤولية الحركية.
شمولية النظرة العامة
لقد استطاع أن يدمج شخصية العارف بشخصية الفقيه، ثم انطلق من