229فاقتضت الحكمة الإلهية أن تطهر الأرض من الكافرين لتبدأ دورة حياة جديدة للإنسان. فأمر اللّٰه تعالىٰ نوحاً أن يصنع الفلك ( واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون) 1وفعلاً تحقق أمر اللّٰه فيهم وعلموا ما كانوا يجهلون ( حتىٰ إذا جاء أمرنا وفار التنور) 2وحتى لا تنقرض الحياة علىٰ هذا الكوكب ( قلنا احمل فيها من كلّ زوجين اثنين وأهلك إلّا من سبق عليه القول ومن آمن) 3واستثنى اللّٰه تعالى ابن نوح ( . . . إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح) 4ثم جاء أمر اللّٰه إلى السماء والأرض ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) 5ولم ينفع ابن نوح الذي اعتصم بأحد الجبال الشاهقة حيث ( لا عاصم اليوم من أمر اللّٰه إلّامن رحم) 6وعندما طهرت الأرض من الظالمين ( وقيل بعداً للقوم الظالمين) 7عند ذلك جاء الأمر الإلهي الآخر ( وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء) 8.
وبهذا بدأت دورة حياة جديدة للإنسانية. وزّع عناصرها نوح عليه السلام - مما بقي معه في السفينة - على الكرة الأرضية 9. فكان سام الابن الأكبر لنوح ووصيه كذلك، جعله في القسم الذي فيه مكة.
وفي الفترة بين نوح عليه السلام وإبراهيم عليه السلام لم يحدثنا التاريخ أنّ مكة بنيت في هذه الفترة أو مصّرت. إلّاأنّها بقيت مقدسةً، وكان يأتيها المظلوم والمتعوذ من أقطار الأرض ويدعو عندها المكروب، فكلّ من دعا هنالك استجيب له. وكان الناس يحجّون إلىٰ موضع البيت حتىٰ بوّأ اللّٰه مكانه لإبراهيم عليه السلام 10.
زعامة ابراهيم
في خضم الصراع البشري بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر. ينتصر إبراهيم عليه السلام لرسالة الحق بعد أن ادّخره اللّٰه وحفظه بالاعجاز من طاغوت عصره النمرود؛ ليكلفه تبليغ رسالة السماء. وتكلفه هذه الرسالة الشيء الكثير، وتضطره للهجرة هنا وهناك، والتنقل من بلاد إلىٰ اُخرىٰ، ويبتليه اللّٰه تعالى كما ابتلى سائر