230الأنبياء والرسل، ويمتحنه عدة امتحانات، ومما امتحن به ابراهيم عليه السلام خلوه من الولد - بعد أن بلغ من العمر عتياً - ليكون وصيه يحمل همّ الرسالة من بعده. فمد يد الضراعة إلى اللّٰه والسؤال ( ربِّ هب لي من الصالحين) 1ويأتي الجواب من ربّ العالمين ( فبشرناه بغلام حليم) 2لكن لا من زوجته ساره. وإنما من هاجر، التي وهبتها سارة لإبراهيم عليه السلام. بعد أن دفعتها مشاعر الحنو إلىٰ صوت الطفولة؛ ليبدد سكون البيت الممل. ولكن لما ولدت هاجر اسماعيل انقلبت المشاعر إلىٰ مشاعر الغيرة الكامنة في النفس، فتطلب سارة من إبراهيم أن لا يسكنا مع هاجر في مكان واحد. فيأتي الأمر الإلهي لإبراهيم عليه السلام أن يهاجر بهاجر وابنها إلىٰ حرم اللّٰه. ولما انتهت الرحلة بأرض مكة القاحلة، توجه إبراهيم إلىٰ ربّه ( ربنا إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرع عند بيتك المحرم) 3فاستجاب له ربّه أن هَيّأَ أسباب الحياة في ذلك الوادي، فنبع الماء من تحت قدم إسماعيل، ثم جاء الخير الذي ترجوه هاجر بعدما دلت الطيور النازلة في ذلك الوادي على الماء، فاجتذبت تلك الطيور إحدى القوافل إلىٰ ذلك الوادي فوجدوا هاجراً وابنها تحت عريشها، فاستأذنوها بالهبوط معها في ذلك الوادي، فأَذنت لهم مستبشرة بذلك، ولما علموا أنّها حرم إبراهيم وهذا ابنه إسماعيل زادوها احتراماً، واهدوا لولدها مجموعة من الماعز، ولما بلغ إسماعيل عليه السلام مبلغ الرجال تزوج منهم زوجته الأولىٰ.
وكان لإبراهيم عليه السلام ثلاث زيارات لإسماعيل قبل بناء البيت، وعند زيارة ابراهيم الأولىٰ، لم يجد ابراهيم الحفاوة والتكريم المعهود في عصره من زوجة إسماعيل بعد أن كان إسماعيل غائباً عنها في الصيد. فترك رسالة شفوية رمزية.
تقول له: «غير عتبة دارك» 4. ومفادها أن يطلق زوجته فامتثل ابراهيم عليه السلام أمر أبيه وطلّقَ زوجته وتزوج بثانية. وعندما زاره للمرة الثانية وجد الحفاوة التامة والكرم حتىٰ إنها (زوجة إسماعيل الثانية) غسلت رأسه من غبار التعب. فترك إبراهيم عليه السلام رسالة شفوية أخرىٰ تقول له «حافظ علىٰ عتبة دارك» 5.