186بالتأكيد علىٰ وصف المستشرق بأنه وكيل لحكومته ليس واضح الدلالة فحسب، بل هو مذهل كذلك: «يمكن اعتبار المستشرق كوكيل خاص لدولة غربيّة عند محاولتها تطبيق سياسة معيّنة حيال المشرق. إنّ أي رحالة أوروپي متعلم (أوليس كذلك تماماً) يتجوّل في المشرق يشعر بأنه رجل غربي نموذجي قد سبر غور ما هو غامض من الأمور» 1.
علىٰ أنه لا يمكن فهم دور بيتز وأضرابه فهماً واضحاً من دون فهم خلفيّة المرحلة أو طبيعة الظرف التي كان يتحرّك فيها أو اللاحقة لها، ومع أن هذا خارج نطاق البحث، إلّاأن الإشارة السريعة إليه أمر ذو أهمية، خاصة فيما يتعلق بقضية التوغّل الغربي في ديار المشرق الإسلامي، وداخل شبه الجزيرة العربية تحديداً.
ما بعد بيتز
بعد «بيتز» قامت عدّة بعثات بالتوغّل داخل شبه الجزيرة العربيّة، وجميعها انحصرت تقريباً في الجنوب الغربي، وأشهرها بعثة الرجلين الفرنسيين «وي لاجر بلود ير» و «باربير» . ولكن بعد مغادرتهما المنطقة أتت فترة يمكننا أن نسميها نهاية تلك الفترة الطوعية للاستكشافات في شبه الجزيرة العربيّة. وباستثناء «فارتيما» . . . لم يُعرف عن ذهاب أي شخص إلىٰ بلاد العرب رغبةً في معرفة شيء عن تلك المنطقة، أو ذلك الشعب، فقد كانوا يأتون بالقوة كعبيد أو عن طريق الدبلوماسية أو التجارة. ولم يحدث أن اهتموا بما حولهم وكتبوا شيئاً عمّا رأوه، ذلك لأن اهتماماتهم العامة بما حولهم لم تكن إلّاعملاً إضافيّاً يزيد علىٰ نواياهم الخاصة، فلم يكن سفرهم إلىٰ تلك البلاد لتحليل المجتمع الذي يسكنها، ولكن بعد ذلك حدث التغيير، ابتداءً من منتصف القرن الثامن عشر فصاعداً، وعلى الأقل حتى الحرب العالمية الأولىٰ، أصبح جميع أولئك الذين كتبوا بشكل فعّال عن جزيرة العرب يفعلون ذلك لإعطاء وصف لها، لأن هذا الوصف من عملهم الخاص 2.
وعليه، فإننا نستطيع القول أن حقبة كلّ من «فارتيما» و «بيتز» كانت تمثّل