185ملفت للانتباه، باعتبارها تأتي ضمن سياقاتها الموضوعية، أمّا أن يُقدم شاب لم يتلقَ أيّ نصيب في مدارج المعرفة، وكلّ مالديه من زاد أنه كان مولعاً بالمغامرة والأسفار فقط، فكيف أقدم علىٰ تسجيل وقائع تجربته، حتىٰ إنه «لم ينسَ أي شيء، في تلك الظروف التي أحاطت به، فهو يتذكر الحجوم والأطوال والأرقام وعدد الأبواب والبوابات ويلاحظ الدوامات والجريان أثناء الطواف حول الكعبة» كما يقول «برينت» ؟ 1.
إن قراءة واعية لما بين السطور المتقدمة تقودنا إلى التوجّس من هذا الاهتمام الدقيق الذي أبداه «بيتز» ، ممّا يشير إلىٰ أن هناك احتمالاً كبيراً وراجحاً بوجود مهمّة مكلّف بها من جهة معينة، تحرص علىٰ سبر غور الديار المقدّسة التي كانت مغلقة بوجه دوائر الغرب.
ولا يطول بنا المقام، لكي نوجه أصابع الاتهام صوب القنصل البريطاني في الجزائر «بيكر» الذي ساهم في عمليّة تهريبه إلىٰ أوروپا عبر أزمير. وهذا التكليف لم يكن مستغرباً أبداً، وهناك عشرات الأدلّة علىٰ شواهد مماثلة.
وما يعزّز هذا التشكيك أن «بيتز» نفسه قد أشار في مقدمة رحلته إلىٰ ملاحظة، وكأنه يدفع تهمة عنه إذ يقول: «قد يظهر للبعض أنني وقح في وضع هذا الكتاب الصغير. . وأنا لا أدعي أن لدي القدرات المطلوبة من شخص لكتابة تاريخ كهذا» ، ولكنه يضيف قائلاً: إنه «يملك أفضل المؤهلات فيما يتعلّق بالحقيقة» 2.
ولسنا ندري ما هي تلك المؤهلات التي كان يتمتع بها «بيتز» ، اللهم إلّاأنه ظل وفيّاً حتىٰ آخر لحظة إلىٰ نصرانيته وبريطانيته، وربما يشير، من طرف خفي، إلىٰ مهمته الموكولة إليه، ولم يكن بيتز بدعاً في هذا الأمر بل هو الدفعة الثابته التي طبعت جلّ الجهود الغربية، إن لم يكن كلها قاطبة، في هذا الاتجاه. بما فيها حركة الاستشراق التي تباهت ردحاً طويلاً من الزمن بالعلميّة المجردة والمنهجية العارية.
وهذا ما دعا ادوارد سعيد إلىٰ توجيه الاتهام القوى إلى الاستشراق، ولم يكتف