41معتبرة معاوية بن عمار في قوله: «قلت لأبي عبد اللّٰه عليه السلام: إن أهل مكّة أنكروا عليك أنك ذبحت هديك في منزلك بمكّة، فقال: إن مكّة كلّها منحر» 1، وفي معناه غيره.
والجمع بينها وبين ما دلّ علىٰ أنّ الذبح لا يكون إلّابمنى، يقتضي حملها علىٰ صورة عدم إمكان الذبح بمنى.
قلنا: أوّلاً لابدّ من حمل هذه الروايات على الهدي غير الواجب؛ لورود التصريح بأنه «إن كان هدياً واجباً، فلا ينحره إلّابمنى، وإن كان ليس بواجب فلينحره بمكّة إن شاء» 2.
وثانياً: لو كان الذبح في منى أمراً مستحيلاً لم يصح الاعتراض عليه عليه السلام.
وثالثاً: سلمنا، ولكن الذبح بمكّة أيضاً متعذراً في زماننا هذا، نعم يمكن ذلك لأفراد قليلين، لكنه لجميع الحاجّ أو عشر من أعشارهم غير ممكن، فلا تفيد هذه الروايات في حلّ هذه المشكلة، وأين مكّة من وادي محسّر؟ !
قد يقال: إنّ المرتكز في أذهان المتشرّعة من المسلمين: أن محلّ إيقاع مناسك الحج وشعائره ليس إلّا مساحة الأرض، التي تحيط ببيت اللّٰه الحرام - زادها اللّٰه شرفاً وعزّاً - ولا يجزي ما يؤتىٰ بها في خارج هذه القطعة من وجه الأرض إلّاعدد يسير مما نطقت به الأدلّة: كالإحرام من مسجد الشجرة، وكصيام سبعة أيّام بدل الهدي. والظاهر أنّ هذا الارتكاز لا يفرّق بين حالتي الاختيار والاضطرار، وهذا الارتكاز وإن لم يكن مما ينبغي أن يعتمد عليه في الجزم بالحكم الشرعي، إلّاأنه مما يمنع عن الركون إلىٰ خلاف ما يقتضيه في استنباط الحكم الشرعي.
قلنا: هذا أشبه شيء بالاستحسان الظنّي، ولا يمكن الركون اليه، كما اعترف به صاحب هذا الإشكال، وإذا لم يكن ممّا يمكن الركون إليه، فلماذا يمنع عن الركون إلىٰ خلاف ما يقتضيه؟ ! هذا، مضافاً إلىٰ أنّ الذي لا يجوز الإتيان به من المناسك في غير هذه القطعة من الأرض أمور خاصّة: