211حِدَة، وقالوا لهما: ادفعوا إلىٰ كل بطريق هديته قبل أن تكلموا فيهم، ثمّ ادفعوا إليه هداياه، وإن استطعتما أن يردهم عليكم قبل أن يكلمهم فافعلوا.
أقول: كانت تخشىٰ قريش أن ينطلق الحقّ من لسانهم ووقع الذي كانت تخشاه.
فقدما علينا، فلم يبق بطريق من بطارقته إلّاقدّموا إليه هديته، فكلموه، فقالوا له: إنّا قدمنا علىٰ هذا الملك في سفهاء من سفهائنا، فارقوا أقوامهم في دينهم، ولم يدخلوا في دينكم، فبعثَنا قومُهم ليردهم الملك عليهم، فإذا نحن كلمناه فأشيروا عليه بأن يفعل، فقالوا: نفعل، ثم قدّموا إلى النجاشي هداياه، فكان من أحبّ ما يهدى إليه من مكّة الأَدَم. فلما أدخلوا عليه هداياه، فقالوا له: أيها الملك إن فتية منا سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه، وقد لَجأُوا إلىٰ بلادك، فبَعَثنا إليك فيهم عشائرهم، آباؤهم وأعمامهم وقومهم لتردهم عليهم، فهم أعلىٰ بهم 1عيناً.
فقالت بطارقته: صدقوا أيها الملك، لو رددتهم عليهم وكانوا هم أعلىٰ بهم، فإنهم لم يدخلوا في دينك فيمنعهم أملك. فغضب، ثمّ قال: لا، لعمر اللّٰه، لا أردهم عليهم حتىٰ أدعوهم وأكلمهم وأنظر ما أمرهم، قوم لَجأُوا إلىٰ بلادي، واختاروا جواري علىٰ جوار غيري، فإن كانوا كما تقولون رددتهم عليهم، وإن كانوا علىٰ غير ذلك منعتهم، ولم أدخل بينهم وبينهم، ولم أنعمهم عيناً فأرسل إليهم النجاشي فجمعهم - ولم يكن شيء أبغض إلىٰ عمرو بن العاص وعبداللّٰه بن أبي ربيعة من أن يسمع كلامهم - فلما جاءهم رسول النجاشي اجتمع القوم فقال: ماذا تقولون؟ فقالوا: ماذا نقول؟ ! نقول واللّٰه ما نعرف وما نحن عليه من أمر ديننا، وما جاء به نبينا صلى الله عليه و آله كائن من ذلك ما كان، فلما دخلوا عليه كان الذي يكلمه منهم جعفر بن أبي طالب، فقال له النجاشي:
ما هذا الدين الذي أنتم عليه؟ فارقتم دين قومكم، ولم تدخلوا في يهودية ولا