195العبد جناية في غير الحرم، ثمّ فرّ إلى الحرم لم ينبغِ لأحد أن يأخذه من الحرم، ولكن يمنع من السوق ولا يبايع ولا يطعم ولا يسقىٰ ولا يكلم، فإذا فُعِل ذلك يوشك أن يخرج فيؤخذ، وإذا جنىٰ في الحرم جناية أقيم عليه؛ لأنه لم يرع للحرم حرمةً، ونحوها معتبرة حفص ورواية علي بن أبي حمزة عنه عليه السلام في السارق والجاني، ونحوها صحيحة معاوية بن عمار عنه عليه السلام في القاتل وفيها لا يأوي. وفي الدر المنثور أن جماعة اخرجوا من طرق سعيد وطاوس ومجاهد وعكرمة وعطا عن ابن عباس في الآية مثل ذلك. ولا ينافي ذلك ما روي من طرق الفريقين من أنه أمنَ من سخط اللّٰه، أو في الآخرة، أو من النار، فإن ذلك يكون بياناً لبعض المصاديق المندرجة في عموم الأمن. وبمقتضى الروايات المتقدّمة قال علماء الإمامية من دون خلاف يعرف، وأبو حنيفة وصاحباه. . واللؤلئي وافقوا الإمامية في قصاص النفس واحتجوا بالآية. ويرد عليهم أن الأمن فيها مطلق، فإذا قدم علىٰ دليل القصاص قدم علىٰ سائر أدلة القصاص والحدود لذلك الوجه حتىٰ لو حملنا الخبر في الآية على الأمر، مع أن الآية لا تحمل علىٰ ذلك ولا يتوقف عليه، بل الآية تدل علىٰ جعل الأمن بنحو وضعي عام، وجعله من اللّٰه من حيث الشريعة هو أظهر الأفراد وأولاها، فإن الذهن لا يذعن بأن اللّٰه تبارك اسمه يمجد البيت بأن من آياته أن الناس يحترمونه بإلهام وتوفيق منه، وهو جل شأنه لا يشرع احترامه في حقوقهم وحقوقه. نعم إن الجاني في الحرم قد هتك حرمته فيؤخذ بجنايته في ذلك لقول اللّٰه تعالىٰ: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتىٰ يقاتلوكم فيه 1والحرمات قصاص 2. . . وأيضاً إن طعام العرب ممّا يصطادونه من أحناش الأرض وحيواناتها، ولهم في الصيد ولع وعادة، ومع ذلك يحترمون صيد الحرم ومكة، ومن المستفيض نقله أن الحيوانات لا يقتل بعضها بعضاً فيه، ولا تصطاد الكلاب والسباع فيه، ومن آيات البيت ما استفاض نقله من أن الطير لا يعلو عليه في طيرانه بل يحيد عنه يميناً وشمالاً 3.