196بعد هذا الاستعراض لأقوال هذه النخبة المختارة من المفسرين والعلماء في خصوص المراد من أمن الحرم وتأريخه وحكم الجاني. . أقول: إنّ أمن الحرم سواء أكان قبل دعاء إبراهيم عليه السلام وأنه تأكد بدعائه عليه السلام، أو أنه صار آمناً بعد استجابة اللّٰه تعالىٰ لدعائه عليه السلام وسواء أكانت مصاديقه ضيقة أو كانت واسعة لكلّ ما يترك ضرراً أو يسبب خوفاً أو تلفاً للأموال والأنفس ومصادرة للحقوق والحريات، فإن المهم هو حلّ ما يرىٰ من بعدٍ أو تناقض بين نصوص الأمن وما تعرّض له هذا المكان من اعتداءات علىٰ ضوء ما يستظهر مما ذكرناه من آيات وروايات وأقوال وآراء. . فلهذا نقول: إنّ مثل ذلك التناقض الذي يبدو للبعض منا بين النصّ الوارد بالأمن والواقع الخارجي للبيت الذي اخترق أمنه مرّات عديدة كما حدّثنا بذلك التأريخ. . يعزىٰ إلىٰ عدم تفريقنا بين أمرين مهمّين وردا في الخطاب القرآني:
الأوّل: يتعلّق بأشياء ثابتة لا تتغير ولا تبتدل يُراد به أمور تكوينية ليس للإنسان القدرة في تغييرها أو تبديلها. . ومثل هذا في القرآن الكريم الكثير، منه:
وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة. . 1يخلف كلّ منهما الآخر فيتعاقبان.
ومثل: الشمس تجري لمستقرٍّ لها. . حركة الشمس دائبة متواصلة منذ أن خلقها اللّٰه تعالىٰ. . فهذهِ وغيرها أمور ثابتة ليس لنا قدرة علىٰ تغيير مسيرتها أو إيقافها.
الثاني: يتعلّق بأمور تشريعيّة من قبيل الأحكام العبادية والمعاملاتية. . ، من قبيل ما أحلّ اللّٰه فعله وما حرّم فعله، من قبيل أوامر اللّٰه تعالىٰ ونواهيه، افعل ولا تفعل، مع أنّه سبحانه وتعالىٰ ترك لنا في ذلك الاختيار، فكما أمرني أن أفعل جعلني في الوقت نفسه قادراً أيضاً علىٰ أن لا أفعل، وحينما قال لي ناهياً، لا تفعل الشيء الفلاني، جعلني في الوقت نفسه قادراً على الفعل بدليل قوله لي لا تفعل. . وبيّن لنا ثواب ذلك أو عقابه، ثواب إلتزامنا وطاعتنا، وعقاب تخلّفنا وعصيانا أوامره. .
فالآية: ومن دخله كان آمناً وآيات الأمن الأخرىٰ تبين أن جعل البيت