194ظاهره أم كان أمراً في حالة صرفه عن الظاهر فهو أمرٌ لا يتفقُ مع أهمية الأمن كما قلنا ومع الآية الأخرىٰ التي تبين أن هناك شيئين قد منحتهما السماء لمكّة وأهلها وليس شيئاً واحداً، قال تعالىٰ: الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف منحتهما الإطعام والأمن وإن كان الثاني أعمّ من الأول حيث آمنهم من كلّ ما يكون سبباً للخوف سواء أكان جوعاً وحرماناً أم قتلاً وسلباً ونهباً. فالأمن في الآية مطلق وله مصاديق كثيرة كما نلاحظ ذلك في كلام الشيخ البلاغي فهو كلام نافع ومتين فقد عدّ أمن البيت من آياته، فعند تفسيره للآية وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً. . (وأمناً) يأمن مَن حلّ في حماه من الناس مع وحشية الأعراب وتعاديهم وعداوتهم، وعدّ البلاغي هذا من آيات البيت، حيث واصل حديثه عن أمن البيت في تفسيره للآية الأخرىٰ وفيه آيات بينات مقام إبراهيم ومَن دخله كان آمناً أي من دخل بلده وحرمه المعروف. والجملة من أقسام البدل التفصيلي من الآيات معطوفة علىٰ مقام إبراهيم أي وآمن من دخل فيه، ولعل «من» جيء بها لتغليب من يعقل علىٰ ما لا يعقل، وفي الأمن آيات ظاهرة، فإن العرب علىٰ فوضويتهم ووحشيتهم وتهوّرهم في العدوان والنخوة الجاهلية وغلظتهم في ذلك، بحيث لا يمنعهم من ذلك، ولا يردعهم شريعة ولا وازع روحي ولا سيطرة، ولا استقامة أخلاق، قد كانوا خاضعين لاحترام من دخل الحرم، منقادة نفوسهم لذلك في القرون العديدة في تلاطم أمواج الجاهلية فضلاً عن الإسلام. وليس ذلك من طبع التربة والهواء، ولا بنحو الجبر السالب للاختيار، بل لأن العناية الإلهية ألهمت الناس إكراماً للبيت الحرام أن يحترموا الحرم ومَن فيه. نعم وقع التمرد من جيش يزيد والحجاج، ولعلّ الحكمة في ذلك أن يعرف الناس أن هذا الاحترام ليس من قسم الطبيعة والإلجاء وإنما هو توفيق من اللّٰه شمل المشركين ولم يشمل من تمرد على اللّٰه وحاده وعاداه. وفي الصحيح أو الحسن كالصحيح عن الحلبي عن الصادق عليه السلام قال: سألته عن قول اللّٰه ومن دخله كان آمناً قال عليه السلام: إذا أحدثَ