193لا شك في أن قوله جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً خبر. فتارة نتركه علىٰ ظاهره ونقول: إنه خبر. وتارة نصرفه عن ظاهره ونقول: إنه أمر.
أمّا القول الأول: فهو أن يكون المراد أنهُ تعالىٰ جعل أهل الحرم آمنين من القحط والجدب، علىٰ ما قال: أو لم يروا أنا جعلنا حرماً آمناً وقوله: أولم نمكن لهم حرماً آمناً يجبى إليه ثمرات كل شيء ، ولا يمكن أن يراد منه الإخبار عن عدم وقوع القتل في الحرم؛ لأنا نشاهد أن القتل الحرام قد يقع فيه وأيضاً فالقتل المباح قد يوجد فيه، قال اللّٰه تعالىٰ: ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتىٰ يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم. . فأخبر عن وقوع القتل فيه.
القول الثاني: أن نحمله على الأمر علىٰ سبيل التأويل، والمعنى أن اللّٰه تعالىٰ أمر الناس بأن يجعلوا ذلك الموضع أمناً من الغارة والقتل، فكان البيت محترماً بحكم اللّٰه تعالىٰ، وكانت الجاهلية متمسكين بتحريمه، لا يهيجون علىٰ أحد التجأ إليه، وكانوا يسمون قريشاً: أهل اللّٰه تعظيماً له، ثمّ اعتبر فيه أمر الصيد، حتىٰ أن الكلب ليهمّ بالظبي خارج الحرم، فيفر الظبي منه، فيتبعه الكلب، فإذا دخل الظبي الحرم لم يتبعه الكلب. ورويت الأخبار في تحريم مكّة، قال عليه الصلاة والسلام:
«إن اللّٰه حرم مكّة وأنها لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها كما كانت» .
وقد رجح الفخر الرازي ما ذهب إليه الشافعي حيث قال: . . إن قوله تعالىٰ (وأمناً) ليس فيه بيان أنه جعله أمناً فيماذا، فيمكن أن يكون أمناً من القحط، وأن يكون أمناً من نصب الحروب، وأن يكون أمناً من إقامة الحدود، وليس اللفظ من باب العموم حتىٰ يحمل على الكل، بل حمله على الأمن من القحط والآفات أولىٰ؛ لأنا علىٰ هذا التفسير لا نحتاج إلىٰ حمل لفظ الخبر علىٰ معنى الأمر، وفي سائر الوجوه نحتاج إلىٰ ذلك، فكان قول الشافعي أولىٰ 1.
أقول: حصر مقصودها بالقحط والجدب سواء كان خبراً إذا ما حملناه علىٰ