177المتعدّدة والشاقة والدقيقة؟ وكيف تبنىٰ بذلك الوادي حضارة يراد لها أن تكون مشعل نور للأجيال وقبلة لها إذا كان ساكنوه يئنّون تحت أجواء الخوف وقسوة الجوع. . ؟ !
لم تشغل شيخ الأنبياء تلك المحنة المتمثلة بترك زوجته وابنه، وكم هي عظيمة وخطرة أن يترك الزوج زوجته والأب ابنه في مثل ذلك المكان وفي مثل تلك الظروف! لم تشغله تلك المحنة التي تنوء بالعصبة أولي القوة عن طلب الأمان إلىٰ جبال هذا الوادي وإلىٰ رماله وتلاله وإلىٰ ساكنيه، فلقد قدر لكلّ صخرة فيه ولكلّ ذرة رمل ولكلّ تل صغيراً كان أو كبيراً، ولكلّ ساكن فيه رجلاً كان أو امرأة، شاباً كان أو شيخاً، قويّاً كان أو ضعيفاً، سيداً كان أو عبداً، شريفاً كان أو وضيعاً. . دورٌ في حياة هذا الوادي وفي أحداثه. ويمكننا القول بقوة: إن شيخ الأنبياء كأنه انكشف له ما سيؤول إليه واقع هذا الوادي من اقتتال وتنازع وتخاصم من جهة، ومن جهة أخرىٰ أنه سيتحول إلىٰ بقعة من أقدس بقاع الدنيا وأعظمها، وما يستتبع ذلك من خير وبركة وعطاء وسيصبح مهبطاً لوحي السماء، ومنبعاً للنور الإلهي بعد أن يغرق بالظلام والجهالة، وأنه سيتحول من وادٍ رملي خال من أي عود أخضر إلىٰ ربيع زاهٍ تخفق فيه طيور المودّة والمحبة، وتتردد في جنباته ونواحيه أصوات التلبية والتسبيح وآيات القرآن. فتهوي إليه الأفئدة أفئدة الناس من كل ناحية وصوب واجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم من أجل هذا وغيره كان لابد لإبراهيم من أن يطلب الأمن والأمان لهذه الأرض وحتىٰ يأنسوا به ويعرفوا قيمة الأمان، ثمّ يميّزوا بينه وبين الخوف، وبالتالي بين السلام وثماره والحرب وآثارها، وبين الاستقرار من جهة والنزاع والتشرد من جهة اُخرىٰ. بين المعاني الجميلة والعظيمة للخير والمعاني القبيحة والوضيعة للشر وما يترتب عليه من تناحر وتشتت وتفرق. .
لقد أراد شيخ الأنبياء من دعائه أن تكون مكّة بعيدة عن الغدر والكراهية والبغضاء والاحتيال. . وأن تبقىٰ أرضاً مقدّسة مباركة لا مكان فيها لسياط