17بل إنَّ مثل هذا الحجّ الذي يكون مخالفاً للأصول والأهداف الإسلامية، وملوّثاً بارتباطاته المشبوهة، ويركن إلى الاستكبار والغطرسة العالمية، ويُقام في جوٍّ من الميولات الدنيئة للروح الفاسدة في عالم المادّة والنسيان والجهل والمظالم والظُّلم والنّفاق، والاعتماد علىٰ كلّ الإمكانات والوسائل لِعَزل الإسلام العظيم المُعين للمظلوم والمعادي للظالم، إنَّ حجّاً كهذا لايمكن اعتباره حجّاً إسلامياً مقارنة مع بحثنا لفلسفة وأسرار الحجّ، ولن نرضىٰ بحجّ جاهلي كهذا لأن يكون بديلاً للحجّ الإسلامي الواقعي والحقيقي (53) .
يقول ابن عبّاس: رأيت رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم في حجّة الوداع وقد أمسك بباب الكعبة، فالتفت نحو النّاس وذكر حوادث تقع في المستقبل لأناس آخر الزّمان، وذكر ضمن حديثه شيئاً عن حج آخر الزّمان قائلاً:
«يحج أغنياء أمّتي للنزهة، ويحجّ أوساطها للتجارة، ويحجّ فقراؤهم للرياء والسّمعة» (54) .
لقد كان قلق الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم من حيث إنَّ الحجّ بهذا الشكل سيفقد عناصره وروحه وحقيقته، وبدل من أن يكون الحجّ خلّاقاً وبنّاءً، سيتّخذ سبيلاً للوصول إلى الأهداف الدنيئة.
فإذن، ما هو ردّ فعلنا علىٰ وضع الحج الذي يؤدّيه المسلمون اليوم، والذي تسعىٰ بعض الجهات إلىٰ تحويله عن أهدافه الإسلامية الأصيلة، بعد أن أبدىٰ رسولاللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم قلقه حول تبدّل الحجّ العبادي وتحوّله إلىٰ سفرة ورحلة استجمام؟
ما هي المعايير والأسس التي نستطيع بواسطتها تمييز الحجّ عن غيره، وأنّه قد غيّر مسيره وهدفه المنشود أملا، وأنّه أيالحجّ، هو نفسه الحجّ الذي أوصىٰ به رسولاللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم، وكيف يتسنىٰ لنا تمييزه عنالحجّ الذي أقلقالرسول صلى الله عليه و آله و سلم آنذاك؟
هل يمكننا ذلك ببحث فلسفة الحجّ وأسراره وآثاره الحياتية وحسب،