63الصبغة الطاغيه علىٰ فريضة الحج. . وأن هذا المكان سوف يتّحد مع الزمان فيما بعد الميقات، ويحدث بينهما التعجيل فيما تعود الأمكنة بعد الاتحاد في الميقات إلىٰ حالتها الطبيعية المتناثرة في الحرم وفيما حوله. . إن هذا الاتحاد والتعجيل يكون معنوياً ويرمز لها في شكل الميقات، والتعجيل من القوة بحيث يصبح في منظور الحج أن كلّ ما في الطبيعة يحمل قابلية ومزاجية عبادية، وتنقلب نسبة البيت الحرام المنحوتة في صدر الآية « مثابة للناس» إلىٰ نسبة إلٰهية « طهّرا بيتي» ويتطابق اتجاه هذه الآية مع مدلول « وأتمّوا الحجَّ والعمرةَ للّٰهِ» 1.
علىٰ هذا فإن التحشيد الفني في الآية يشمل الطبيعة وما تنطوي عليه من أحجار ونبات وحيوان وهوام، إذ تقرر التشريعات حرمة الاعتداء عليها والتعهد بالقضاء والكفارة في بعض حالات العمد والنسيان، إذ لم يكن قبل الميقات أي حرمة أو التزام. . .
يكشف لنا الحج ومناسكه أن لغير العاقلات حرمة وبأي نسبة فإنها تشبه حرمة الاعتداء على الإنسان، بيد أن هذه الكرامة لم تكن وليدة العقل في الكائنات غير الإنسانية. . إنما هي لحيثية الوجود. . . فللموجود قدسية في أيّ محل وشكل. . وهذا هو المشترك بين الإنسان وغيره فمعنىٰ «أنسنة» الأشياء ليس إحلال العقل فيها، بل في وعي علاقة الوجود وأنماطه بحركة الإنسان.
تزول كلّ الفواصل بين ما يسمىٰ بالمكان الطبيعي، وبين ما يسمىٰ بالزمان الطبيعي، فيما بعد الولوج في الدائرة المتصلة بين البيت والميقات، ويتواصل هذا الالتحام بينهما حتىٰ يوم النحر فينطلق الدعاء من فم الخليل عليه السلام « فاجعل أفئدة. . .» وهو المصب والمستوى الاجتماعي الأخير للأمن الإلهي. وفي الآية نطالع مفردات (أفئدة - الثمرات - يشكرون) وهي محملة بومضات وجدانية تومئ إلىٰ أن الفؤاد مكان يغلّف لبَّ الكيان الداخلي للإنسان، والثمرات هي لباب