62سلاح، كما هو في أشكال الصراعات الأخرىٰ. . الانطلاقة نحو (اللاجدال) ستلقي في النفوس نشوة الإحساس بالسرور. . إذ يعزل الحاج علىٰ دائرة المكان كلّ حوافز ومسوغات الجدل حتىٰ علىٰ صعيد الشعور والتأمل. . مما يدعو الذاكرة إلىٰ أن تنداح أقوىٰ؛ لأنها تحيا حالة قصوىٰ من التهذيب والتشذيب. . . وحتماً أن مستوىً كهذا من الصقل والاستقامة سينقّح لها الفراغ. . . وتتوفر لها مجالات أكبر للتنقل والتذكير والإنابة.
ارتفاع حركة النفس والروح إلىٰ مستوى الأمن الحقيقي، يعني أنها تدخل في تجربة التعايش الكامل مع الموجودات. . ولما كانت التجربة في ضمن إطار شكل مادي وبتماوج بشري مختلف، فإن هذا لا يجعل الإتقان سهلاً دون إنزال الدلالات الجمالية بكاملها في عبادة الحج. مقطع « ولا جدال في الحج» يصبّ في بلورة موقف الحاج تجاه أنماط الحياة، التي تزخر بها الدوائر البشرية المتتابعة الدوران حول الكعبة والمناسك. . وهذا الموقف له قطبان، هما: الإنسان مع أخيه، والثاني: الطبيعة، ومهمة الحاج داخل البيت لا تسمح له بالتأجيل أو النقض فيها. . ولما كان هناك حركة دائبة للأشياء فمعناه أن قبالة الحاج نماذج مختلفة من كائنات الطبيعة والبشر. . وهي في حالة حضور وامتثال واصغاء، فما تبقىٰ إذن؟ إنها قيادة البشر والطبيعة وإلىٰ من؟ قطعاً باتجاه المطلق. طالما تعرّف الحاج علىٰ نمطية الأسباب المعطلّة للانطلاق نحو اللّٰه سبحانه ومن قرب.
المطلق يعني اللّٰه - سبحانه - ولا يمكن أن يستوعب الحاج كلّ المساحات والمسافات نحوه - سبحانه - حتىٰ لو كان طاهراً. . لا يمكن له هذا مالم يصحب في رحلته الفريدة التي تقع في أول عمره أو وسطه أو أخريات أيامه عناصر أخرىٰ لها استحقاق الوجود؛ تلك العناصر السايحة، التي تسبح بميلها الطبيعي في الطبيعة، وأهم العناصر في دنيا الطبيعة في زمن الحج هو المكان، ومنه يُدرك أنه