60
«. . . فإجعل افئدةً مِنَ النّاسِ تهوِي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلّهم يشكرون» 1.
إننا نجد علىٰ صعيد الآيات السابقة مجموعة إشارات:
أولاً: أن الأمن فيها يأخذ مستويات متعدّدة يتصاعد مع حركة الزمن، فمن البيت الحرام وأمر إبراهيم وإسماعيل إلى السياحة الزمنية المحددة بالأشهر الأربعة، إلى التركيز والتأكيد والاستفهام في الآية الثالثة، وهي إشارة إلىٰ غفلة الإنسان عن حقيقة البيت. . إلىٰ تكثيف أدق لحالة الأمن وذلك في نفي مطلق يشمل جنس (الجدال) . وحتىٰ مخاطبة الأفئدة وتوليف العلاقة بين البيت وما حوله.
ثانياً: امتزاج عناصر التكوين والتشريع، وذلك في ورود فعل الأمر مقروناً أو متعلقاً بمفردة (الجعل) .
ثالثاً: علاقة الأمن بالطهر، بالرزق، بالهوىٰ، (الحب) وكلّها تؤشر اتساق الآثار العملية مع قوة الميل الإنساني لمعرفة حقيقة البيت الحرام.
هذه الأمور الثلاثة لا تلغي خصوصية كلّ آية عن الأخرىٰ، فالآية الأولىٰ ترمز إلىٰ خصوصية البيت ذاته وطهارته من كل ما يشوّه معالمه ورسالته، وتبين بعض أحكامه وتأتي الآية الثالثة لتثير قضية خطيرة (الأمن) عبر مقطع (استفهامي) « أو لم يروا» وتقتطف الحسّ الإنساني بمعية الذاكرة وتوجيههما نحو (أمن الحرم) فإن الرؤية هنا تمتزج بالرؤيا. . لكن الآية رشحت أولاً عنصر الحس في مفردة (يروا) ثم عبر الاستفهام دمجت من بعيد عنصر الرؤيا، التأمل، الذاكرة « أو لم. . .» إذ يكون الأمن هنا مسلكاً اجتماعياً وهدفاً متعلقاً بمشاهد الحج ويستتلي هذا ذاكرة كيف يكون مجتمع الجنة. . إن الآية ترمز إلىٰ التفاتة دقيقة نحو المقارنة، والمقاربة بين مجتمع الجنة ومقترح قريب منه هو مجتمع