59أما في حالة الأمن يكون السلام نفسه منطوياً علىٰ اطمئنان، كما أن الطبيعة وعناصر الصراع والنزاع تنقلب إلىٰ عوامل ايجابية تدر بالرحمة والبركة والحرية. . أي تتصل بأصالتها وفيضها وجمالها الكوني، مما يجعلها في التصاق مع جهد الإنسان في انتاج الهدف الأعلىٰ في الأرض، وتسيّس باقي المعطلات.
ولعل مفردة (ميقات) فيها إيحاء وإيماءة علىٰ توقيت الفصل بين ما هو سلام وتطويره عبر تحوّلات مشاعر وألفاظ وحركات ولباس الحجاج إلىٰ ما يجب أن يكون عليه السلام، وبين ما يجب أن يكون عليه الواقع الأمني العام لمجتمع الحاج.
فللأمن في وجدان الإنسان والحاج ذاكرة عجيبة، إذ إنه من وحي الفطرة ويدّر من نميرها. . . ولها تعلق قديم في مسلكية الجماعة الأولىٰ. . . وتشكل مفردة الأمن معادلاً موضوعياً لمجتمع الجنة. . . ولقد توثبت ألفاظ بعينها علىٰ تسمية بعض مناسك الحج وذلك ما نلحظه في تسمية (مِنىٰ) : (إن جبرائيل عليه السلام لما أراد أن يفارق آدم عليه السلام قال له: تَمنَّ. قال: أتمنى الجنة، فسميت - مِنىٰ - بذلك لأمنيته) . 1فهناك إذن ذاكرة جماعية راجعة، تكيّف إثاراتها واستجاباتها أجواء تلاقي الروافد البشرية بين نقطتي الميقات وباقي مناسك الحج، وتدعوها للتأمل وللالتحام حول شكل مادي إلٰهي يدعى (الكعبة) بإعتباره مركز كلّ دوائر أمكنة الاجتماع الإنساني في النهاية.
هناك فرق خفي يؤشر لحالتين من توارد المشاعر في سياق الآيات التالية:
« وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمناً. . . وعَهِدنا إلىٰ إبراهيمَ وإسماعيلَ أن طهِّرا بيتي» 2.
«
فسيحُوا في الأرض أربعة أشُهرٍ» 3.
«
أَوَ لَم يَروا أنّا جعلنا حرماً آمناً» 4.
«
. . فلا رفثَ ولا فُسوقَ ولا جِدالَ في الحجِّ» 5.