26وشوَّهوا بإعفاء الشعورِ محاسنَ خلقهم، ابتلاءً عظيماً، وامتحاناً شديداً، واختياراً مُبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله اللّٰه سبباً لرحمته، ووصلةً إلىٰ جنّته. ولو أراد - سبحانه - أن يضعَ بيته الحرامَ، ومشاعره العِظامَ، بين جنّاتٍ وأنهارٍ وسهلٍ وقَرارٍ، جمَّ الأشجارِ دانِي الثمارِ، مُلتفَّ البُنىٰ، مُتصل القُرىٰ، بين برّة سمراء، وروضة خضراءَ، وأريافٍ محدقةٍ، وعِراصٍ مُغدقةٍ، ورياضٍ ناضرة، وطرقٍ عامرةٍ، لكان قد صَغُر قدرُ الجزاء حسن ضعفِ البلاء. ولو كان الإِساسُ المحمولُ عليها، والأحجار المرفوع بها، بين زُمرّدةٍ خضراءَ، وياقوتةٍ حمراء، ونورٍ وضياءٍ، لخفَّفَ ذلك مصارعةَ الشكّ في الصدور، ولوضعَ مجاهدةَ إبليس عن القلوبِ ولنفىٰ معتلجَ الريبِ من الناس، ولكنّ اللّٰه يَختبر عباده بأنواع الشدائِدِ، ويتعبدهُم بأنواع الَمجَاهِدِ، ويبتليهم بضروب المكارة، إخراجاً للتكبّر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلىٰ فَضله، وأسباباً ذللاً لعفوه» 1.
وفي موضع آخر من نهج البلاغة يقول عليه السلام حين وصيته للحسنين عليهما السلام والناس كافة بعد أن جُرِحَ علىٰ يد ابن ملجم المرادي عليه اللعنة:
«اللّٰه اللّٰه في بيت ربّكم، لا تخلّوه ما بقيتم، فإنّه إن تُرك لم تُناظروا» 2.
وقال عليه السلام في كتاب أرسله إلى واليه علىٰ مكة قثم بن عباس:
«أما بعدُ، فأقِم للناسِ الحجَّ، وذكّرهم بأيام اللّٰه، واجلس لهم العصرَيْنَِ فَأفْتِ المستفتي، وعلّم الجاهلَ، وذاكر العالمَ، ولا يكُن لكَ إلى الناس سفيرٌ إلّالسانُكَ، ولا حاجبٌ إلّا وجهُكَ. . . وَمُرْ أهْلَ مكّة ألّا يأخذوا من ساكنٍ أجراً، فإن اللّٰهَ سبحانهُ يقول: « سواءً العاكفُ فيه والبادِ» فالعاكف: المقيم به، والبادي:
الذي يحجّ إليه من غير أهله. وفقنا اللّٰهُ وإياكم لِمحابّهِ والسلام» 3.